للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١١ - الشيعة ليست مذهبا فقهيا خامسا]

يقول السائل: هل يمكن اعتبار الشيعة مذهباً فقهياً خامساً يضاف إلى المذاهب السنية الأربعة، أفيدونا؟

الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن المذاهب السنية الأربعة وهي المذهب الحنفي المنسوب لأبي حنيفة النعمان المتوفى سنة ١٥٠ هـ والمذهب المالكي المنسوب لمالك بن أنس المتوفى سنة ١٧٦ هـ والمذهب الشافعي المنسوب لمحمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤ هـ والمذهب الحنبلي المنسوب لأحمد بن حنبل المتوفى سنة ٢٤١ هـ، هذه المذاهب الفقهية السنية تقوم على أصول عقدية واحدة بشكل عام وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، والخلاف بينها إنما هو في الفروع الفقهية بناءً على خلاف في قواعد أصولية، والمذاهب الأربعة متفقة على مصادر التشريع الأصلية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس، ووقع خلاف في مصادر التشريع التبعية كالمصلحة المرسلة والاستحسان وعمل أهل المدينة والعرف والعادة وغيرها.

إذا تقرر هذا فإن كثيراً من الناس في بلادنا لا يعرفون عن الشيعة إلا شيئاً يسيراً بل إنهم يظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب فقهي كالمذاهب الأربعة وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة إلا في الفروع الفقهية ولا شك أن هذا ظن خاطىء سببه عدم الإطلاع على عقائد الشيعة بشكل صحيح ومن مصادرهم المعتمدة أو حسن ظن بهم وهو في غير محله. ومما لاشك فيه أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف في العقائد والأصول وليس خلافاً في الفروع فعند الشيعة الكثير من العقائد الباطلة ويعرف ذلك من يقرأ في مصادرهم المعتمدة وإن حاول بعض مراجعهم الدينية المعاصرون إخفاء ذلك أو عدم الحديث عنه وهم يفعلون ذلك انطلاقاً من مبدأ التقية وهي عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ويقولون: (من لا تقية له لا دين له) . والشيعة وهم في الحقيقة فرق عديدة ولكنها تلتقي على أصول عقدية مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وقد ترتب على ذلك مخالفتهم للمذاهب السنية الأربعة في قواعد أصول الفقه التي يبنى عليها الفقه لأنه لا يمكن الفصل بين العقيدة وبين قواعد الأصول التي يقوم عليها الاجتهاد الفقهي، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن الشيعة لا يؤمنون بأن القرآن محفوظ بل يقولون طرأ عليه تغيير وتحريف من الصحابة فقد جاء في كتاب الكافي للكليني ١/٢٢٨: عن أبي جعفر يقول: ما ادعى أحدٌ من الناس أنه جمع القرآن كله كما أُنزل إلا كذَّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده.] وعنه قال: ما يستطيع أحدٌ أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء]

وفي الكافي كذلك ١/٤١٢: عن جابر، عن أبي جعفر قال: قلت له: لمَ سُمي أمير المؤمنين ـ أي علي بن أبي طالب ـ؟ قال: الله سماه هكذا؛ أنزل في كتابه: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين]

وفي الكافي أيضاً ١/٤١٧: عن أبي جعفر قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد هكذا: " بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغياً] . وفي الكافي أيضاً ١/٤١٧: عن جابر، قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمدٍ هكذا: (وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا في عليٍّ فأتوا بسورة من مثله) . وفي الكافي أيضاً ١/٤١٧: عن أبي عبد الله قال: نزل جبرائيل على محمد بهذه الآية هكذا: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا في عليٍّ نوراً مبينا)

وفي الكافي أيضاً ١/٢٣٩: عن أبي عبد الله قال: [وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحد]

وكذلك فإن الشيعة لا يقبلون السنة النبوية كمصدر تشريعي إلا من جهة نقلتهم ورواتهم فالشيعة لا يقبلون من السنة النبوية إلا ما كان من رواية أهل البيت بمفهومهم فهم يستبعدون أمهات المؤمنين من آل البيت فلا يقبلون رواية أكثر الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعتدون بكتب السنة كالبخاري ومسلم والسنن الأربعة وغيرها بل عندهم كتبهم المعتمدة وأهمها كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني الرازي والذي يعد عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة قال أحد مراجعهم محمد صادق الصدر في كتابه الشيعة ص٥ [إن الشيعة مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة: أصول الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات] وقال أيضاً ص١٣٣: [ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الأربعة]

فالشيعة لا يقبلون مصادر أهل السنة العلمية بل يردونها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومع هذا يردون ـ أي الشيعة ـ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة المتواترة عنه عند أهل العلم مثل أحاديث البخاري ومسلم، ويرون أن شعر شعراء الرافضة: مثل الحميري، وكوشيار الديلمي، وعمارة اليمني خيراً من أحاديث البخاري ومسلم، وقد رأينا في كتبهم من الكذب والافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٨/٤٨١-٤٨٢.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والرافضة كفّرت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين. فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين، والأنصار العدالة، أو ترضَّى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٨/٤٧٧

وكذلك فإن الشيعة يضفون نوعاً من القدسية على كلام أئمتهم ويعتبرونه مصدراً تشريعياً وهم لا يقبلون من الإجماع إلا إجماع أهل البيت حسب مفهومهم بل إنهم قد غالوا في ذلك فزعموا أن أئمتهم يعلمون الغيب ورد في الكافي ٤/٢٦١: [قال جعفر الصادق: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون] . وغير ذلك من الترهات والخزعبلات.

وخلاصة الأمر أنه لا يصح اعتبار الشيعة مذهباً فقهياً خامساً بل مذهبهم مخالف لأهل السنة والجماعة في العقائد ومخالف للمذاهب الأربعة في أصولها الفقهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>