يقول السائل: إنه تعرض لظلمٍ شديدٍ من بعض أقاربه، حيث سلبوا حقوقاً له، واستولوا على أرضه ظلماً، واستعانوا ببعض وجوه العشائر في تحقيق مآربهم، فما الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟
الجواب: لا شك أن الظلم مرتعه وخيم، والظلم من أقبح المعاصي وأشدها عقوبة، وقد حرم الله جل جلاله الظلم في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، ومن يستعرض القرآن الكريم والسنة النبوية يقف على مئات الآيات والأحاديث التي تحدثت عن الظلم والظالمين، وتوعدت الظلمة ولعنتهم، قال الله تعالى:{وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة آل عمران الآية ٥٧، وقال الله تعالى:{وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} سورة آل عمران الآية ٨٦، وقال الله تعالى:{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} سورة الأنعام الآية ٢١، وقال الله تعالى:{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} سورة الأعراف الآية ٤٤، وقال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} سورة هود الآية ١٠٢، وقال الله تعالى:{إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة إبراهيم الآية ٢٢ وقال الله تعالى: {وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} سورة الإسراء الآية ٨٢،وقال الله تعالى:{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} سورة الكهف الآية ٢٩،وقال الله تعالى:{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} سورة الحج الآية ٥٣، وقال الله تعالى:{وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً} الفرقان٣٧ الآية وقال الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} سورة غافر الآية ١٨، وقال الله تعالى:{يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} غافر الآية٥٢ وقال الله تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} سورة الحج الآية ٧١. وقال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِين ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} سورة يونس الآيتان١٣-١٤. وقال الله تعالى:{وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} سورة الكهف الآية ٥٩،وقال الله تعالى:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} سورة إبراهيم الآيتان٤٢-٤٣، وقال الله تعالى:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة الشورى الآية ٤٢، وغير ذلك من الآيات، وأما الأحاديث فمنها: ما ورد في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) رواه مسلم. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم. وجاء في خطبة الوداع قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا إن الله حرم عليكم دمائكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لتؤدُّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم، والأصل في المسلم أنه لا يظلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) رواه البخاري، وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن مظاهر الظلم المتعلقة بحقوق العباد في مجتمعنا الحاضر قد تعددت وتنوعت أشكالها، ومنها ما ذكره السائل من الظلم في أخذ الحقوق وأكل أموال الناس بالباطل وغصب الأراضي، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من غصب الأراضي وأخذها من أصحابها بغير حق، فقد ورد في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوقه من سبع أرضين) رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) رواه البخاري. ومن أشكال الظلم القتل وسفك الدماء، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} سورة الإسراء الآية ٣٣. وقال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيمًا} سورة النساء الآية ٩٣.وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجلٍ مسلم) رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ٢/٥٦. وغير ذلك من الآيات والأحاديث. ومن أشكال الظلم التعدي على أعراض الناس، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا} سورة الأحزاب الآية ٥٨، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} سورة النور الآية ٢٣. ومن أشكال الظلم ما يكون بين الموظفين فيجور المدير على من هم تحت مسؤوليته، فصرنا نرى من يتولى مسؤولية ما، يصير كالفراعنة الجبابرة فيسوم الناس سوء المعاملة، ونسي هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم:(اللهم من وَليَ من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم؛ فاشقق عليه. ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم؛ فأرفق به) رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره) رواه أبو داود والترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب ٢/٢٦٠. [قال القاضي: المراد باحتجاب الله عنه أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله] عون المعبود ٦/٤٢٦. ويلحق بذلك ظلم العمال وصغار الموظفين الذين تضيع حقوقهم وأجورهم، وورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم ١٤٩٨. ومن أشكال الظلم ما يكون بين أفراد الأسرة فيظلم الزوج زوجته، والزوجة زوجها، ويكون ذلك بتضييع حقوقهما، وكذلك ظلم ذوي الأرحام بقطع صلتهم ومن الظلم أكل أموال اليتامى، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} سورة النساء الآية ١٠. ومن جوانب ظلم العباد تأخير رد الديون والمماطلة فيها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(مطل الغني ظلم) رواه البخاري. وغير ذلك من أشكال الظلم، وعلى كل حال فالظلم بجميع أشكاله وأنواعه محرم. وأما عقوبة الظالم، فقد تكون في الدنيا قبل الآخرة، فقد قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة الأنعام الآية ١٢٩، قال ابن كثيرٍ في تفسير الآية:[نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض، جزاءً على ظلمهم وبغيهم] تفسير ابن كثير ٣/٩٢. وقال الفخر الرازي:[الآية تدل على أن الرعية متى كانوا ظالمين، فالله تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم، فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظلم] التفسير الكبير ١٣/١٩٤. ويجب أن يُعلم أن الظلم من الذنوب التي قد يعجل الله عقوبتها في الدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أُطيعَ الله فيه، أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) رواه البيهقي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٧٠٦، وبلاقع، جمع بلقع وبلقعة، وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها. والله جل جلاله قد يملي للظالم ثم يأخذه أخذةً شديدةً، كما ورد في حديث أَبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ:{وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} رواه البخاري ومسلم. وأما عقوبة الظالم في الآخرة فقد قال تعالى:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} سورة طه الآية١١١،وقال تعالى:{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} سورة هود الآية ١٨، وقال الله تعالى:{أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} سورة الشورى الآية ٤٥ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) كما سبق. وأما إعانة الظالم على ظلمه فمن المهلكات التي توجب غضب الله عز وجل، فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أعان على خصومةٍ بظلمٍ، لم يزل في سخط الله حتى ينزع) رواه ابن ماجة وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٣/١٩، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أعان ظالماً بباطلٍ ليدحض بباطله حقاً، فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله) رواه الطبراني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٣/١٧.
وخلاصة الأمر أن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وأن إعانة الظالم على ظلمه موجبة لسخط الله عز وجل، وعلى الظالم أن يرجع عن ظلمه وأن يتحلل من المظالم، لما ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري. وليحذر الظلمة دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب كما في الحديث في صحيح البخاري. وقال الإمام الشافعي:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ... فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ ... يدعو عليك وعين الله لم تنم