[١٢ - الفرق بين شراء سيارة من البنوك الإسلامية وبين شرائها عن طريق البنوك التجارية]
يقول السائل: ما هو الفرق بين شراء سيارة من البنوك الإسلامية وبين شرائها عن طريق البنوك التجارية، أفيدونا؟
الجواب: أصبحت البنوك الإسلامية حقيقة واقعة، واتجهت الأنظار إليها وخاصةً بعد الأزمة المالية العالمية، وهي تزداد قوة وانتشاراً مع مرور الأيام، وتشهد تقدماً ونجاحاً - والحمد لله- معتمدةً على أسس وقواعد وضعها عدد كبير من علماء المسلمين في هذا العصر، من خلال دراسات وأبحاث ومجامع علمية وفقهية ومن خلال مؤتمرات علمية يشارك فيها خبراء في الاقتصاد بجانب علماء الشريعة، كما أن لكل بنك إسلامي هيئة للرقابة الشرعية، مؤلفة من أهل الخبرة والاختصاص الشرعيين والاقتصاديين لمراقبة أعمال البنك، تتولى التوجيه والإرشاد والتدقيق، ومع ذلك فإني أقول دائماً إن البنوك الإسلامية حالها كحال الناس تماماً فكما أنك تجد في أفراد المسلمين من هو ملتزم تماماً بالحكم الشرعي، وتجد فيهم من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فكذلك البنوك الإسلامية، تجد بعضها لديه التزام عالٍ بالمنهج الشرعي، وبعضها يخلط الخطأ بالصواب، وإن وجود الأخطاء في التطبيق لدى البنوك الإسلامية، لا يعني بحال من الأحوال أن الخطأ في الفكرة والقواعد التي تسير عليها البنوك الإسلامية، ولكن وجود الأخطاء من العاملين أمر عادي جداً، فالذي لا يعمل هو الذي لا يخطئ، أما الذي يعمل فلا بد أن يقع منه الخطأ. والفكرة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي البعد عن الربا في جميع معاملاتها أخذاً وإعطاءً، وهذا بناءً على أن البنوك الإسلامية هي البديل الشرعي للبنوك الربوية، وبما أن البنوك الإسلامية تسعى لإيجاد البدائل الشرعية للمعاملات الربوية، فكان عقد المرابحة المركبة أحد هذه البدائل المشروعة، وهو في الحقيقة تطوير لعقد المرابحة المعروف عند الفقهاء المتقدمين، وهو عند الفقهاء بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح. وصورة بيع المرابحة المركبة المستعملة الآن في البنوك والمؤسسات الإسلامية هي أن يتفق الآمر بالشراء والبنك على أن يقوم الآمر بالشراء بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها على أن يدفع الثمن مقسطاً، وهه الصورة هي المسماة ببيع المرابحة للآمر بالشراء، وقد قامت الأدلة الكثيرة على جواز هذا العقد على الراجح من أقوال فقهاء العصر، ومن المعلوم عند الفقهاء أن الأصل في باب المعاملات هو الإباحة، وبناءً على ذلك فإن بيع المرابحة من البيوع الجائزة شرعاً ولا كراهة فيه. يقول الله تعالى: ?وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا? سورة البقرة الآية ٢٧٥. ويدل على جواز بيع المرابحة ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال:(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور) رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي. مجمع الزوائد ٤/٦١، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ١٩١٣. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إنما البيع عن تراض) رواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وصححه العلامة الألباني في الإرواء ٥/١٢٥. فهذه العمومات وغيرها من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على جواز بيع المرابحة، كما أن الحاجة تدعو لتعامل الناس بالمرابحة. وعقد المرابحة للآمر بالشراء له شروطه وضوابطه الشرعية التي أقرتها المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية، وتتمثل شروطه فيما يلي: ١- أن يكون الثمن الأول (الثمن الأصلي) معلوماً للمشتري. ٢-أن يكون الربح معلوماً للمشتري والبائع. ٣- ألا يكون الثمن من جنس السلعة المباعة حتى لا يكون هناك ربا. ٤- أن يكون عقد البيع صحيحاً مستوفياً الأركان والشروط ومن ضمن ذلك أن تكون السلعة متقومة شرعاً. ٥- أن تكون السلعة مملوكةً ملكيةً تامةً للبائع (البنك) . ٦- أن تكون السلعة في حوزة البائع (البنك) فعلاً أو حكماً. ٧- أن تكون السلعة معلومة ومحددة المواصفات. وهنالك خلاف فقهي حول الوعد بالشراء هل هو ملزم أم لا؟ والراجح أنه ملزم في مجال المعاملات المالية وهو المطبق في أغلب البنوك الإسلامية الآن. وحتى يتم عقد المرابحة بطريقة شرعية صحيحة لا بد من تنفيذه وفق الإجراءات الآتية: أولاً: تقديم طلب الشراء إلى البنك من الآمر بالشراء يوضح فيه رغبته في شراء سلعة معينة وبمواصفات محددة معروفة على أن يبيعها المصرف للآمر بالشراء مرابحة لأجل محدد معلوم. ويحرر الآمر بالشراء نموذجاً يسمى طلب شراء مرابحة، ويذكر فيه مواصفات السلعة المطلوب شرائها ومصدر شرائها والثمن الأصلي لهذه السلعة. ثانياً: يقوم البنك بدراسة الطلب من كافة الجوانب. ثالثاً: تحرير الوعد بالشراء وسداد مبلغ ضمان الجدية. رابعاً: الاتصال بالمورد (البائع) والتعاقد معه على الشراء باسم البنك وعلى مسئوليته ثم حيازة الشيء المشترى (البضاعة) بأي وسيلة حسب الأعراف السائدة (حيازة فعلية أو حكمية) . وبهذه الخطوة يكون البنك قد تملك السلعة وحازها وبذلك يمكن التصرف فيها بالبيع للآمر بالشراء. خامساً: إبرام عقد البيع مع الآمر بالشراء مستوفياً الأركان والشروط. سادساً: تسليم الشيء (البضاعة) للآمر بالشراء حسب المكان المتفق عليه. إذا تقرر هذا فإن الفرق بين شراء سيارة من البنوك الإسلامية وبين شرائها عن طريق البنوك التجارية هو الفرق بين الحلال والحرام، وهو ذاته الفرق بين الربح والربا، ويجب أن يُعلم أن البنوك الربوية التجارية لا تبيع ولا تشتري حقيقةً، وإنما تمول العملية تمويلاً ربوياً، وبيان ذلك أن البنك الربوي يتفق مع وكيل سيارات على تمويل مشتريات الزبائن من السيارات، فإذا تقدم زبون لوكيل السيارات لشراء سيارة فيتفق معه على أن ثمن السيارة مئة ألف شيكل مثلاً مقسطة على ثلاث سنوات، ويتفقان على أن التسديد يكون عن طريق البنك الربوي، فيرسل الزبون إلى البنك الربوي الذي يطلب من الزبون ضمانات كتحويل راتبه على البنك إن كان موظفاً أو إحضار كفيلين ونحو ذلك من الضمانات، فإن تمَّ ذلك وفق ما يطلبه البنك الربوي، بعدها يقوم البنك بدفع المبلغ نقداً إلى وكيل السيارات مخصوماً منه الفوائد الربوية حسب الاتفاق بين وكيل السيارات والبنك الربوي، وتتراوح نسبة الفائدة بين ٥% - ١٠% ثم يقوم الزبون بتسديد المبلغ كاملاً للبنك الربوي على مدى مدة التقسيط المتفق عليها. وهذه المعاملة معاملة ربوية حيث إن البنك مقرض وليس بائعاً، فالبنك أقرض وكيل السيارات مبلغاً من المال نقداً ثم استوفاه من الزبون مع زيادة وهذا هو الربا بعينه. والبنك الربوي لا علاقة له بالبيع ولا علاقة له بالسيارة ولا يتحمل أية مسؤولية تجاه الزبون، وإنما هو مجرد ممول فقط، بل إنه في حال تأخر الزبون عن سداد قسط من الأقساط فإنه يفرض عليه فائدة مركبة. بينما الذي يتم في البنوك الإسلامية يختلف تماماً عما يتم في البنوك الربوية، فالبنك الإسلامي يشتري السيارة ويتملكها، وهذا يعني دخول السيارة في ملكية البنك دخولاً حقيقياً – ولا يشترط شرعاً أن تسجل السيارة في الدوائر الرسمية باسم البنك الإسلامي، لأن التسجيل مسألة قانونية- وبعد أن يحوز البنك الإسلامي السيارة يقوم ببيعها إلى الآمر بالشراء ويتفقان على تسديد الثمن على أقساط. ومن المعلوم أنه إذا تأخر الآمر بالشراء عن تسديد الأقساط، فإن البنك الإسلامي لا يرتب عليه أية زيادة، لأنه إذا استقر الدَّين في الذمة فلا تجوز الزيادة عليه لأن ذلك عين الربا، وهذا بخلاف المتبع في البنوك الربوية كما أسلفت. وأخيراً أقول للذين ما زالوا يصرون على أنه لا فرق بين البنوك الإسلامية وبين البنوك الربوية، أن يقفوا وقفة مراجعة صادقة مع أنفسهم، وأن لا يلقوا الكلام على عواهنه، وأن لا يسووا بين البيع والربا، وأن يفرقوا بين الربح وبين الزيادة الربوية، وأن يتدبروا قول الله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية٢٧٥. وغريب أمر هؤلاء فهم لا يفرقون في التعامل بين من يرفع راية الربا المحرم قطعاً في كتاب الله عز وجل وفي السنة النبوية، ومعظم معاملاته تقوم عليه، وبين من يقوم أصل عمله على المعاملات الشرعية ويرفع راية أنه لا يتعامل بالربا لا أخذاً ولا إعطاءً، فهل يستويان مثلاً!! مع أنني أؤكد أن هنالك بعض السلبيات للبنوك الإسلامية وعليها بعض المآخذ، وتقع في الأخطاء، ومع كل هذه السلبيات والمآخذ لا يصح التسوية بينها وبين البنوك الربوية. فالتسوية بين الحلال والحرام تسوية باطلة وظالمة، وأقول لهؤلاء إن الواجب الشرعي يقتضي مساندة البنوك الإسلامية وتصحيح مسيرتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة وتشجيع الناس للتعامل معها، فإذا كان العالم الغربي قد بدأ يدرك أهمية البنوك الإسلامية، وظهرت دعوات عديدة للتعامل مع البنوك الإسلامية. فمتى تدركون أنتم ذلك؟!! وخلاصة الأمر أن هنالك اختلافاً جذرياً بين شراء سيارة من البنوك الإسلامية وبين شرائها عن طريق البنوك التجارية، فشراؤها من البنوك الإسلامية بحسب الخطوات والإجراءات المقررة السابقة يعتبر من باب البيع الحلال، بينما شراؤها عن طريق البنوك الربوية يعتبر من باب الربا المحرم شرعاً.