للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧٢ - المحارم]

مسألة لبن الفحل ,

يقول السائل: رجل له زوجتان وكل منهما قد أنجبت والأولى منهما أرضعت ولداً لأحد الأقارب فهل يجوز لهذا أن يتزوج ابنة ذلك الرجل من زوجته الثانية؟

الجواب: ثبت في الحديث الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرضاعة تحرم ما يحرم من النسب) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وهو حديث صحيح. وقد اتفق العلماء على ذلك وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وفي السؤال المذكور فإن الولد المشار إليه قد رضع من زوجة الرجل فيصير الرجل أباً لذلك الولد من الرضاعة والبنت التي أراد أن يتزوجها هي أخت لأب من الرضاعة فلا تحل له. وإن كانت البنت من الزوجة الثانية للرجل. وهذه المسألة يكون التحريم فيها بسبب الرجل وتسمى عند الفقهاء مسألة لبن الفحل وهي التي تكون الحرمة فيها في جانب زوج المرضعة التي نزل لبنها بسبب من الرجل ومعنى ذلك أن المرأة إذا أرضعت طفلاً بلبن هذا الفحل أي الرجل الذي كان وطؤه لها سبباً في إدرار لبن هذه المرأة فإن الطفل الرضيع يصير ولداً لهما فالمرأة تصير أمه بالرضاعة وهو ولدها بالرضاعة والرجل أي زوج المرأة يصير أباً له وهو ولده بالرضاعة وعلى هذا تصير علاقة الرضيع بالرجل وزوجته وبأقاربهما مثل علاقة ولدهما بالنسب. المفصل في أحكام المرأة ٦/٢٣٨.

قال الإمام النووي: [وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة ... فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولداً له وأولاد الرجل أخوة الرضيع وأخواته ويكون أخو الرجل أعمام الرضيع وأخواته عماته] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/١٨. ومما يدل على هذا الحكم ما ثبت في الحديث عن عروة بن الزبير عن عائشة: (أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن أنزل الله الحجاب. قالت: فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعته فأمرني أن آذن له عليَّ) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى: (أن عائشة أخبرته أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها بعدما نزل الحجاب وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة. فقلت: والله لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته. قالت عائشة: فلما دخ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليَّ فكرهت أن آذن له حتى استأذنك. قالت: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إئذني له. قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما تحرمون من النسب] رواه مسلم. وقد ثبت في الحديث أيضاً أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح درة بنت أبي سلمة فقال: (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة) رواه البخاري ومسلم. وقد سئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت إحداهما جارية وأخرى غلاماً فهل يتزوج الغلام بالجارية. فقال: لا اللقاح واحد. رواه مالك والترمذي وإسناده صحيح. والقول بأن لبن الفحل يحرم هو القول الصحيح في هذه المسألة وحديث عائشة في قصة استئذان أفلح أخي أبي القعيس نص صريح في أن لبن الفحل يحرم. قال الشيخ ابن قدامة بعد أن ساق الحديث: [وهذا نص قاطع في محل النزاع فلا يعول على ما خالفه] المغني ٧/١١٤.

وقال العلامة ابن القيم: [الحكم الثاني: المستفاد من هذه السنة أن لبن الفحل يحرم والتحريم ينتشر منه كما ينتشر من المرأة وهذا هو الحق الذي لا يجوز أن يقال بغيره وإن خالف فيه من خالف من الصحابة ومن بعدهم فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع ويترك ما خالفها لأجلها ولا تترك هي لأجل قول أحد كائناً من كان ولو تركت السنن لخلاف من خالفها لعدم بلوغها له أو لتأويلها أو غير ذلك لترك سنن كثيرة جداً وتركت الحجة إلى غيرها وقول من يجب اتباعه إلى قول من لايجب اتباعه وقول المعصوم إلى قول غير المعصوم وهذه بلية نسأل الله العافية منها وأن لا نلقاه بها يوم القيامة. قال الأعمش: كان عمارة وإبراهيم وأصحابنا لا يرون بلبن الفحل بأساً حتى أتاهم الحكم بن عتيبة بخبر أبي القعيس فتركوا قولهم ورجعوا عنه وهكذا يصنع أهل العلم إذا أتتهم السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليها وتركوا قولهم بغيرها] زاد المعاد ٥/٥٦٤-٥٦٥. وتعليل التحريم بلبن الفحل أن اللبن هو سبب التحريم لأنه ينبت اللحم وينشز العظم واللبن في المرأة يوجد بسب ماء الرجل وماء المرأة وبارتضاعه تثبت الجزئية بين الرضيع وبين المرأة وزوجها وهما اللذان بسبب مائهما حصل اللبن واللبن هو سبب إنبات اللحم وانتشاز العظم وهذا بدوره سبب الجزئية بين الرضيع وبين مسببي الجزئية أي الرجل وامرأته والسبب يقوم مقام المسبب خصوصاً في باب الحرمات ألا ترى أن المرأة تحرم على جدها كما تحرم على أبيها وإن لم يكن تحريمها على جدها منصوصاً عليه في القرآن الكريم لأن البنت وإن حدثت من ماء الأب حقيقة دون ماء الجد ولكن الجد سبب ماء الأب فأقيم السبب مقام المسبب في حق حرمة النكاح احتياطاً كذا هاهنا. وقد أشار عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى هذا المعنى فقد روي أنه سئل عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاماً هل يصلح للغلام أن يتزوج الجارية؟ فقال ابن عباس: لا، لأن اللقاح واحد.

وبهذا الجواب بين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الحكم وأشار إلى المعنى وهو اتحاد اللقاح لأن المحرم هو اللبن وسبب اللبن هو ماء الرجل وماء امرأته جميعا فيجب أن يكون الرضاع منهما جميعاً كما كان الولد لهما جميعاً] المفصل في أحكام المرأة ٦/٢٤٠. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>