[٦٦ - العمل في محل تقدم فيه الخمور]
يقول السائل: إنه يعمل في مطعم أحد الفنادق التي تقدم فيها الخمور هو وأحد زملائه وهما لا يقدمان الخمر للزبائن ولكنهما يعدان المكان ويجهزان الطاولات ويجمعان الكؤوس الفارغة ويقومان بغسلها فما حكم هذا العمل وهل المال الذي يكسبانه حلال أو حرام أفيدونا؟ الجواب: من المعلوم شرعاً تحريم الخمر تحريماً باتاً قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) سورة المائدة الآيتان ٩٠-٩١. وغير ذلك من الأدلة.
وهنا لا بد من توضيح قاعدة هامة في العمل الذي يجوز للمسلم أن يعمل فيه وهي ما قرره العلماء من أن للوسائل أحكام المقاصد. قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام ١/٤٦ فوسيلة المحرم محرمة أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام فالربا حرام فكل عمل يؤدي إليه ويساعد فيه فهو حرام فتأجير مبنىً ليكون مقراً لبنك ربوي حرام وكذا العمل في البنك الربوي حرام ولو كان حارساً ليلياً ومثل ذلك عمل برنامج كمبيوتر للمحاسبة في بنك ربوي حرام وهكذا بقية الأعمال التي لها علاقة بالربا ويدل على ذلك ما ورد في الحديث الصحيح (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم وكذا الخمر فهي محرمة فيحرم العمل في كل شيء له علاقة بالخمر فيحرم على المسلم أن يبيع العنب لمن عرف أنه يصنعه خمراً ويحرم أن يساعد في أي عمل يؤدي إليها ويدل على ذلك قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية ٢. ومما يدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير ٢/٩٠٧. وقد صح في الحديث من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) رواه البخاري ومسلم.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [وبيع العصير ممن يتخذه خمراً باطل]
وجملة ذلك أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمراً محرم وكرهه الشافعي , وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمراً فهو محرم وإنما يكره إذا شك فيه ... ولنا قول الله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ، وهذا نهي يقتضي التحريم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن في الخمر عشرة فروى ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها , وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها , ومبتاعها وساقيها) وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها أخرج هذا الحديث الترمذي , من حديث أنس وقال: قد روي هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن بطة في تحريم النبيذ , بإسناده عن محمد بن سيرين أن قيماً كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً , ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره فأمر بقلعه وقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر. ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية , فأشبه إجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزني بها والآية مخصوصة بصور كثيرة فيخص منها محل النزاع بدليلنا ... ] ثم قال الشيخ ابن قدامة [وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار , وأشباه ذلك فهذا حرام والعقد باطل لما قدمنا. قال ابن عقيل: وقد نص أحمد -رحمه الله- على مسائل نبه بها على ذلك , فقال في القصاب والخباز: إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا يبيعه , ومن يخترط الأقداح لا يبيعها ممن يشرب فيها - المسكر - ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس ببيعه للنساء وروى عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلاً.] المغني ٤/٢٠٧. وما قرره الشيخ ابن قدامة المقدسي يصح أن يقال في كل عمل يؤدي إلى الحرام فعمل الكوافيرة التي تزين النساء فيخرجن متبرجات عمل حرام.
وكذا العمل في إقامة أماكن العبادة لغير المسلمين أو صيانتها محرم لأنه من باب التعاون على الإثم. وكذا العمل في كل شيء يؤدي إلى الحرام فهو محرم فإذا قلنا إن التدخين حرام فيحرم العمل في زراعته وفي حصده وفي نقله وفي صنعه وفي بيعه وفي الدعاية له وهكذا يحرم العمل في كل شيء يساعد في تسويقه ... إلخ.
وأما المال المكتسب من العمل المحرم فيجب التخلص منه وإنفاقه في مصلحة عامة ولا يجوز الانتفاع به لمكتسبه فكل مال حرام لا يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعاَ شخصياً فلا يجوز أن يصرفه على نفسه ولا على زوجته ولا على أولاده ومن يعولهم لأنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية ونحوها
وعلى السائل وزميله أن يتركا عملهما المذكور في السؤال وأن يبحثا عن عمل حلال وليعلما أن أبواب العمل الحلال كثيرة وليذكرا قول الله عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق الآيتان ٢-٣. وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} سورة الطلاق الآية ٤
وخلاصة الأمر أن العمل في كل أمر يؤدي إلى الحرام فهو حرام لأن للوسائل أحكام المقاصد.