يقول السائل: هنالك حديث نبوي يردده بعض خطباء المساجد في خطبة عيد الفطر، وفيه أن يوم العيد يسمى يوم الجائزة، فهل هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟
الجواب: روي في الحديث عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين إلى ربٍ كريمٍ يمنُ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلَّوا نادى منادٍ ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمَّى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني في المعجم الكبير، ورواه الأصبهاني في الترغيب، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٢/٢٠١، وقد حكم المحدثون الذين وقفت على كلامهم على هذا الحديث بأنه حديث ضعيف وشبه موضوع كما سيأتي. قال العلامة الألباني: [ضعيف، أخرجه الطبراني في "الكبير" ٦١٨، والمعافى بن زكريا في "الجليس" ٤/ ٨٣، والأصبهاني في "الترغيب" ١٨٨/١ من طريقين عن سعيد بن عبد الجبار [عن توبة] عن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه مرفوعاً به. والزيادة للطبراني. وكذلك رواه الحسن بن سفيان في "مسنده"؛ إلا أنه قال: عن توبة أو أبي توبة. وكذلك أخرجه المعافى في "الجليس"؛ لكنه قال: عن أبي توبة.. بغير شك، وكذا نقله في "الإصابة". قلت: وأبو توبة - أو توبة - لم أعرفه. ومن المحتمل أن يكون هو الذي في "الجرح" ١/ ١/ ٤٤٦: "توبة بن نمر الحضرمي المصري، وكان قاضي مصر، فلما مات استقضي عبد الله بن لهيعة، وابنته تحت ابن لهيعة. روى عن أبي عفير عن ابن عمر. روى عنه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة". ولعله مما يرجح الاحتمال المذكور: أن الراوي عنه - سعيد بن عبد الجبار - هو حضرمي أيضاً، وهو سعيد بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي، وهو ضعيف. وعلى كل حال؛ فقد روي الحديث من طريق أخرى عند الطبراني ٦١٧ من رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير عن سعيد بن أوس الأنصاري به. وهذا إسناد واهٍ بمرة؛ أبو الزبير مدلس؛ وقد عنعنه، لكن الآفة ممن دونه؛ فإن جابراً هذا - وهو الجعفي - متروك. وعمرو بن شمر شرٌ منه. قال الحاكم:"كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره". وأعله الهيثمي ٢/٢٠١ بالجعفي وحده، فقصَّر. ومدار الطريقين على سعيد بن أوس الأنصاري، ولم أجد من ترجمه. ووقع في "ترغيب الأصبهاني": سعد بن أوس ولم أجده أيضاً؛ فهو علة الحديث. والله أعلم.] السلسلة الضعيفة والموضوعة ١١/ ٨٢٩. وضعفه العلامة الألباني أيضاً في ضعيف الترغيب والترهيب ١/٣٣٥. وقد تكلم الشيخ أبو إسحاق الحويني على هذا الحديث كلاماً مفصلاً فقال: [حديث منكر جداً شبه موضوع. أخرجه الطبراني في الكبير ج ١/رقم ٦١٧، وعند أبو نعيم في "معرفة الصحابة" ٩٩٦ ... وأعلَّه الهيثمي ٢/٢٠١ بجابر الجعفي، وترك التنبيه علي حال عمرو بن شمر وهو أحد التلفى. فقد تركه النسائي والدارقطني وغيرهما وقال البخاري "منكر الحديث". وكذَّبه الجوزجاني. وقال ابن معين: ليس بشيء. ورماه السليماني بوضع الحديث للروافض. وقال ابن حبان في المجروحين ٢/٧٥، ٧٦: كان رافضياً يشتم أصحاب رسول الله، وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرهم، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. انتهى. أضف إلى ذلك عنعنة أبي الزبير، ولكن له طريق آخر إلى سعيد ابن أوس. أخرجه الطبراني في الكبير ٦١٨، والحسن بن سفيان في مسنده) كما في الإصابة ١/١٦١، ومن طريقه أبو نعيم في المعرفة٩٩٤، والشجري في الأمالي٢/٤٧ من طرق عن سلم بن سالم ثنا سعيد بن الجبار عن توبة – أو أبي شك سلم – عن سعيد بن أوس الأنصاري، عن أبيه مرفوعاً مثله. وهذا سندٌ ضعيفٌ جداً. وسلم بن سالم كان ابن المبارك شديد الحمل عليه، وكان يقول:(اتق حيات سلم لا تلسعك) ! وقد سئل ابن المبارك عن الحديث في أكل العدس، وأنه قدِّس على لسان سبعين نبياً!! فقال: لا، ولا على لسان نبي واحد؛ إنه لمؤذٍ منفخٍ، من يحدثكم؟ قالوا: سلم بن سالم. قال: عمن؟ قالوا: عنك! قال: وعن] أيضاً!! . وقال أحمد: ليس بذاك. وضعفه ابن معين، وقال أبو زرعة:" لا يُكتبُ حديثه ... وقال أبو حاتم: " ليس بقوي، مضطرب الحديث "وتوبة أو أبو توبة لا أعرفه. وسعيد بن أوس مجهول ... ووقفت له على شاهدٍ عن ابن عباس مرفوعاً، فساق حديثاً طويلاً، جاء في آخره: " فإذا كانت ليلة الفطر وسميت ليلة الجائزة، فإذا كانت غداة بعث الله تبارك وتعالى الملائكة في كل ملاء فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس، فيقولون: يا أمة محمد اخرجوا إلى ربٍ كريمٍ يغفر العظيم، وإذا برزوا في مصلاهم يقول الله تعالى: يا ملائكتي ما أجر الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة إلهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفى أجره، فيقول الله عز وجل: أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي، فيقول الله عز وجل: سلوني وعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم هذا لآخرتكم إلا أعطيتكموه، ولا لدنيا إلا نظرت لكم، وعزتي لأسترنَّ عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود، وانصرفوا مغفوراً لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم، قال: فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطي الله هذه الأمة إذا أفطروا ". أخرجه الأصبهاني في الترغيب ١١٧٤١، وابن الجوزي في الواهيات ٢/ ٤٣– ٤٥ / ٨٨٠، وقال: لا يصح. سنده واهٍ جداً. وعزاه المنذري في الترغيب ٢/٩٩ – ١٠١ لأبي الشيخ كتاب الثواب، والبيهقي وقال: ليس في إسناده من أجمع على ضعفه، وليس من شرط الحديث الباطل أن يكون الإجماع انعقد على ضعف أحد رواته. وهذا حديثٌ منكرٌ جداً شبه الموضوع. وان كان ابن الجوزي أخطأ في زعمه أن القاسم بن الحكم العرني– أحد رواته – مجهول. فليس بمجهول بل هو معروف، فقد وثقه غير واحدٍ منهم أحمد وابن معين والنسائي. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث. وضعفه العقيلي وأبو نعيم الفضل بن دكين لغفلة كانت فيه، وعلى كل حال، فليس يصح في هذا الباب شيء أعلمه. والله أعلم.] الفتاوى الحديثية للحويني ١/٤٠٣- ٤٠٥. وحديث ابن عباس الأخير حكم عليه العلامة الألباني بأنه موضوع، وعلَّق على قول المنذري- ليس في إسناده من أجمع على ضعفه- بقوله [قلت نعم لكنه منقطع، بين الضحاك بن مزاحم وابن عباس، والراوي عنه لين، وآثار الوضع والصنع عليه لائحة، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ٢/١٩١ ... ] ضعيف الترغيب والترهيب ١/٣٠٢. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي:[وقد روي أن الصائمين يرجعون يوم الفطر مغفوراً لهم وأن يوم الفطر يسمى يوم الجوائز وفيه أحاديث ضعيفة، وقال الزهري [إذا كان يوم الفطر خرج الناس إلى الجبار اطلع عليهم قال: عبادي لي صمتم ولي قمتم ارجعوا مغفوراً لكم] ، قال مورق العجلي لبعض إخوانه في المصلى يوم الفطر: يرجع هذا اليوم قوم كما ولدتهم أمهاتهم، وفي حديث أبي جعفر الباقر المرسل:[من أتى عليه رمضان فصام نهاره وصلى ورداً من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبكَّر إلى الجمعة فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب] قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء إذا أكمل الصائمون صيام رمضان وقيامه فقد وفوا ما عليهم من العمل وبقي ما لهم من الأجر وهو المغفرة فإذا خرجوا يوم عيد الفطر إلى الصلاة قسمت عليهم أجورهم فرجعوا إلى منازلهم وقد استوفوا الأجر واستكملوه كما في [حديث ابن عباس رضي الله عنهما المرفوع: إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك ... خرَّجه سلمة بن شبيب في كتاب فضائل رمضان وغيره وفي إسناده مقال، وقد روي من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً بعضه وقد روي معناه مرفوعاً من وجوهٍ أخر فيها ضعف] لطائف المعارف ص ٣٧٣-٣٧٤. وخلاصة الأمر أن أحاديث سمية عيد الفطر بيوم الجائزة ليست ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولن قائلٌ إن الحديث الضعيف يعمل به في باب فضائل الأعمال، وهذا منها، لأن القاعدة عند المحدثين كما قال الإمام النووي [يجوز العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً] الأذكار ص٥. وهذه الأحاديث المذكورة قد حكم عليها جماعة من المحدثين بأنها موضوعة أو فيها من هو كذاب أو متهم بالوضع فلا تنطبق عليها القاعدة السابقة، ويغني عنها ما صح من الأحاديث كقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم.