للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦ - كتاب (قول يا طير) وما أثير حوله]

يقول السائل: ما قولكم في الضجة التي أثيرت حول كتاب (قول يا طير) من قبل بعض المثقفين، وما قامت به وزارة التربية والتعليم من سحب الكتاب من مكتبات المدارس، أفيدونا؟

الجواب: كتاب (قول يا طير) لمؤلفيه د. شريف كناعنة من جامعة بير زيت، ود. ابراهيم مهوّي أستاذ الأدب العربي المعاصر من جامعة إدنبره سكوتلندا، هو كتاب [يضم خمساً وأربعين حكاية خرافية من مئتي حكاية روى معظمها نساء في جميع أنحاء فلسطين (الجليل والضفة الغربية وغزة) . وقد اختارها مؤلفا الكتاب باعتبارها الحكايات الأكثر رواجاً بين أبناء الشعب الفلسطيني ولقيمتها الفنية (جمالياتها وحسن أدائها) ، ولما تبرزه من ملامح عن الثقافة الشعبية في فلسطين. وكان الداعي الأساسي إلى وضع هذا الكتاب لا الحفاظ على فن قصصي نسائي كان واسع الانتشار عندما كان الشعب الفلسطيني يمارس ثقافته على كامل أرضه فحسب، بل أيضاً كي نعرض صورة علمية وموضوعية للثقافة العربية النابعة من أرض فلسطين ومن تراثها الإنساني الذي تضرب جذوره في عروق التاريخ. ولإبراز خصوصية هذه الثقافة كان علينا أن نضع الحكايات باللغة العربية الدارجة التي رويت بها، وأن نرفقها بدراسة معمقة على عدة مستويات تبرز الملامح الوطنية لهذه الثقافة، ... كذا قال المؤلفان. وقد تم توزيع عدد من نسخ الكتاب على المدارس الفلسطينية ليستفيد منه المعلمون لا الطلبة، وفي استمارة اعتمدتها وزارة التربية والتعليم لأحد المُقيمين لكتاب (قول يا طير) ... قبيل توزيعه على المدارس، جاء فيها [إن هذا الكتاب لا توجد له علاقة مباشرة بالمنهاج ولكن بعض القصص الخيالية يمكن الاستفادة منها] . ويفصح المُقيم خلال هذه الاستمارة بصورة واضحة عند إجابته عن الاتجاهات والقيم التي يؤديها هذا الكتاب، بالقول: [يمكن للأطفال أن يتعلموا بعض السلوكيات الخاطئة مثل الكذب والغش والخداع والألفاظ البذيئة، وكذلك الكبار أيضاً.] ثم يضيف [ ... ولكن ينصح أن لا يكون بأيدي الطلبة لاحتوائه على ألفاظ بذيئة ... وفي التنسيب النهائي لهذا المقيم الذي أدى مهمة فحص الكتاب، أوصى بحذف بعض العبارات أو الألفاظ البذيئة قبل توزيعه على الأطفال والطلبة. وذيل هذا الفاحص أو المقيم توصيته بأمثلة على العبارات التي طالب بحذفها مطالبا بالعودة إلى الصفحات (٩٠، ٩٧، ٩٨، ١٠٥، ١٠٦، ١١٥، ١٢٨، ١٢٩، ١٣٢، ١٤٦) من الكتاب. ورغم ذل تم توزيع الكتاب على المدارس دون أخذ هذه التوصية بعين الاعتبار] عن شبكة الإنترنت.

وهذا الكتاب يشتمل على خرافات وقصص من تراث الفلسطيني تشتمل على أمور منكرة مثل ما ورد في الكتاب من زنى الابن بأمه وملاحقة الأب لابنته ليتزوجها ومثل حكاية الشيخ المحتال التي تعطي انطباعاً سيئاً عن قارئ القرآن الكريم ... إلخ، واشتمل الكتاب أيضاً على ألفاظ ساقطة ونابية وعبارات جنسية هابطة كما أن الكتاب قد وضع باللغة العامية الدارجة. والضجة التي أثيرت حول الكتاب ليست بريئة من أهداف غير ثقافية؟؟!! ويظهر ذلك من تعبيرات بعض المحتجين على قرار وزارة التربية بسحب الكتاب - وأتمنى أن لا تكون الوزارة قد تراجعت عنه – ومن هذه التعبيرات (يبدو أن عدوى محاكم التفتيش التي أصابت بعض البلدان العربية قد انتقلت إلى فلسطين) ، (إن هذا الإعدام – سحب الكتاب - يرقى إلى مستوى الجنون الطالباني الذي نسف تمثال بوذا في أفغانستان، رغم قيمته التاريخية والفنية) ، (هذا التفكير الذي ينتمي إلى ممارسات محاكم التفتيش في القرون الوسطى) وأخطر من ذلك أن بعضهم قارن بين كتاب (قول يا طير) وبين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فزعم أن فيهما نصوصاً تخدش الحياء!! ولقد أعظم الفرية على كتاب الله عز وجل وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

إذا تقرر هذا عن حقيقة كتاب (قول يا طير) فإن وصفه بأنه (كتاب أكاديمي علمي يعد من أمهات كتب التراث الشعبي) وصف في غير محله، وما قيل من أن سحب الكتاب إنما هو اعتداء على الترات الفلسطيني، فكلام باطل، وكأن التراث الفلسطيني مقدس لا يجوز مسه بأي حال من الأحوال. إن التراث الفلسطيني فيه الغث والسمين وفيه النافع والضار وفيه ما يتفق مع عقيدتنا وديننا وفيه ما يخالف ذلك، فيجب أن يخضع التراث الفلسطيني للنقد العلمي، لأنه تراث غير معصوم وغير مقدس، وإذا كانت النصوص المنقولة عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم قد خضعت لمعايير النقد عند المحدثين أفلا تخضع الخرافات وقصص الفاحشة والرذيلة للنقد!! أم أن هؤلاء المثقفين يريدون أن يضفوا على التراث قدسية، تجعله فوق النقد وفوق المساءلة وفوق الفحص والاختبار. أم أن هؤلاء المثقفين يرددون علينا ما قاله الجاهليون كما أخبرنا الله عز وجل {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} سورة البقرة الآية ١٧٠. وقال تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} سورة المائدة الآية ١٠٤. وقال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} سورة لقمان الآية ٢١. وقال تعالى {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون} سورة الزخرف الآية ٢٢. وقال تعالى {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} سورة الزخرف الآية ٢٣.

ويضاف إلى ما سبق كما أشرت أن كتاب (قول يا طير) كتب باللغة العامية، والأصل أن نعلم أبنائنا اللغة العربية الفصحى

فهي لغتنا، وهي لغة القرآن الكريم ولغة الحديث النبوي الشريف، كما قال تعالى {بلسان عربي مبين} سورة الشعراء الآية١٩٥، فعلينا أن نكتب وننشر بالفصحى لا بالعامية.

وخلاصة الأمر أن كتاب (قول يا طير) يجب سحبه من مكتبات المدارس، لأن فيه ما يخالف ديننا وعاداتنا وأعرافنا الطيبة، ولا ينبغي أن يكون بين أيدي الأطفال لأن فيه ما فيه من الأمور التي أشرت لبعضها. وخلاصة الموقف الصحيح من التراث الفلسطيني وغيره من التراث العالمي أنه يجب أن يخضع لقواعد النقد العلمي فما كان صحيحاً بميزان شرعنا قبلناه وما كان غير ذلك رفضناه والحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>