للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٠٦ - الحمل والإجهاض]

يقول السائل: ما هو موقف الإسلام من تنظيم النسل وتحديده؟

الجواب: إن الإسلام قد اعتنى بالنسل والمحافظة عليه بل إن المحافظة عليه من مقاصد الشريعة الإسلامية وقد ورد في ذلك كثير من النصوص الشرعية منها: ١. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) سورة الرعد آية ٣٨. ٢. ويقول سبحانه وتعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) سورة البقرة آية ١٨٧. ٣. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإنه له وجاء) رواه مسلم. ٤. وقال أيضاً: (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) رواه ابن ماجة وغير ذلك من الأحاديث. ولا شك أن بقاء النوع الإنساني من أهم أغراض الزواج وبقاء النوع الإنساني إنما يكون بدوام التناسل فلذلك حث الإسلام على الزواج وعلى التناسل وبارك الأولاد ذكوراً وإناثاً. وقد ظهرت دعوات كثيرة لتنظيم النسل أو تحديده أو قطعه كلياً في كثير من البلدان وأعدت لذلك برامج كثيرة وأنفقت أموال طائلة واستغلت وسائل الإعلام لذلك وقامت بعض الدول بتنظيم الحملات المتعلقة بذلك من أجل تحديد النسل وتقليله وما يجري في مصر خير مثال على ذلك. ولقد قرر الفقهاء المعاصرون أن تنظيم النسل بالنسبة للأمة محرم ولا يجوز إذا تبنته الدولة وفرضته على الناس بشكل إجباري وأما إذا كان تنظيم النسل باختيار الزوجين فيجوز ذلك متى كان لهما ما يبرره ويسوغه. ويجب أن يعلم أن هنالك فرقاً واضحاً بين تنظيم النسل وبين وتحديد النسل فتنظيم النسل عبارة عن تنظيم عملية الإنجاب باتباع وسائل معينة بحيث تكون هنالك مدة بين كل مولود وآخر. وأما تحديد النسل فهو الوقوف بالنسل عند حد معين باستعمال وسائل وقائية أو علاجية لقطع النسل كأن تنجب الزوجة ولداً واحداً فقط أو اثنين. وتنظيم النسل جائز إذا توفرت الدواعي لذلك كما سأبينها بعد قليل وأما تحديد النسل فهو محرم ولا يجوز شرعاً لما يلي: أولاً: لأن الوقوف بالنسل عند حد معين يؤدي إلى كف أجهزة النسل في الإنسان عن أدائها لوظائفها وإن تعاطي الوسائل التي تؤدي إلى قطع النسل كالإختصاء أو استئصال الرحم ونحوه من الوسائل يعد تغييراً لخلق الله. ثانياً: إن تحديد النسل فيه معارضة صريحة لقوانين الفطرة ووظائفها كما أن تحديد النسل خشية الفقر فيه مساس بالعقيدة الإسلامية ومعارضة صريحة لآيات الله البينات. فالإسلام جعل للولد حق الحياة ولا يجوز لأبيه وأمه أن يتعديا على حياته بالقتل أو الوأد كما كان يصنع الجاهليون الذين قال الله فيهم: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ) سورة الأنعام آية ١٤٠. وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) سورة الإسراء آية ٣١. ثالثاً: إن تحديد النسل فيه معارضة للنصوص الشرعية الداعية إلى الإكثار من النسل وقد سبق ذكر بعضها. رابعاً: إن تحديد النسل يعارض أمراً ضرورياً من الضروريات الشرعية وهو حفظ النسل لذلك لا يجوز تحديد النسل فهو من المحرمات. وأما تنظيم النسل من قبل الزوجين إذا وجدت المسوغات له فجائز وأهم هذه المسوغات ما يلي: ١. الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل وتبعاته فإن الولادات المتكررة مرهقة للمرأة فتحتاج المرأة إلى راحة بين الولادة والأخرى وهذه الراحة قد تطول وقد تقصر حسب حالتها الصحية وقد قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . ٢. الخشية على الأولاد أن تسوء تربيتهم أو أن تضطرب تربيتهم فقد روى أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أني أعزل عن امرأتي، فقال له صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على أولادها فقال صلى الله عليه وسلم: (لو كان ضاراً لضر فارس والروم) رواه مسلم. فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أن هذه الحالات الفردية لا تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر فارس والروم وهما أقوى دول الأرض حينذاك. ٣. الخشية من الوقوع في حرج دنيوي قد يؤدي إلى الوقوع في حرج ديني فيقع في الحرام ويرتكب المحظورات من أجل الأولاد يقول الله سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . وخلاصة القول أن هذه الحالات الفردية هي التي يجوز فيها تنظيم النسل بشكل اختياري من الزوجين أما أن يكون ذلك سياسة عامة تفرضها الدولة على شعبها فلا يجوز ذلك. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>