للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تذلل أرباب الهوى في الهوى عزّ ... وفقرهُم نحو الحبيب هو الكنزُ

وسترهُم فيه السرائر شهرة ... وغير تلاف النفس فيه هو العجز

والمعنى الثاني: أن من عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله بل هي محبوبة له وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطيب لقلوبهم لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا.

كل شيء ناقص في عرف الناس في الدنيا حتى إذا انتسب إلى طاعة الله ورضاه فهو الكامل في الحقيقة، خلوف أفواه الصائمين له أطيب من ريح المسك، عُري المحرمين لزيارة ييته أجمل من لباس الحلل.... نوح المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضل من التسبيح.... انكسار المخبتين لعظمته هو الجبر.... ذل الخائفين من سطوته هو العز.... تهتك المحبين في محبته أحسن من الستر.... بذل النفوس للقتل في سبيله هو الحياة.... جوع الصائمين لأجله هو الشبع.... عطشهم في طلب مرضاته هو الري.... نصب المجتهدين في خدمته هو الراحة.

ذل الفتى في الحب مكرمةٌ ... وخضوعه لحبيبه شرف (١)

قال المناوي (٤/٢٥٠) : "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" فإذا كان هذا بتغير ريح فمه فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته.

قال ابن جماعة: "وفيه أن خلوف فم الصائم أفضل من دم الجريح في سبيل الله لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الشهيد إن ريحه ريح المسك، وقال في خلوف الصائم أنه أطيب منه، ووجهه أن الجريح يظهر أمره للناس فربما دخله رياء، والصائم لا يعلم بصومه إلا الله، فلعدم دخول الرياء فيه صار أرفع".

* قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فكأنه أبطأ بهنّ، فأوحى الله إلى عيسى: إما أن يبلغهن، أو تبلغهن فأتاه


(١) "لطائف المعارف" (ص ١٧٩-١٨٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>