يا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن.
فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا .. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك، لن ينفعك مالك إذا أوبقتك أعمالك، أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا على الدين.
[*] قال يزيد بن تميم: من لم يردعه الموت والقرآن، ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع!!
أين استعدادك للموت وسكرته؟
أين استعدادك للقبر وضمته؟
أين استعدادك للمنكر والنكير؟
أين استعدادك للقاء العلي القدير؟
[*] وقال سعيد بن جبير: الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة.
تزود من التقوى فإنك لا تدري ... إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة ... وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من صبي يرتجى طول عمره ... وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
ولله درُّ القائل:
رب مذكور لقوم ... غاب عنهم فنسوه
وإذا أفنى سنيه ... المرء أفنته سنوه
وكأن بالمرء قد ... يبكي عليه أقربوه
وكأن القوم قد ماتوا ... فقالوا أدركوه
سائلوه كلموه ... حركوه لقنوه
فإذا استيأس منه الـ ... قوم قالوا أحرقوه
حرفوه وجهوه ... مددوه غمضوه
عجلوه لرحيل ... عجلوا لا تحبسوه
ارفعوه غسلوه ... كفنوه حنطوه
فإذا ما لف في الـ ... أكفان قالوا فاحملوه
أخرجوه فوق أعواد ... المنايا شيعوه
فإذا صلوا عليه ... قيل هاتوا واقبروه
فإذا ما استودعوه ... الأرض رهناً تركوه
خلفوه ... تحت رمس ... أوقروه ... أثقلوه
أبعدوه أسحقوه ... أوحدود ... أفردوه
ودعوه فارقوه ... أسلموه ... خلفوه
وانثنوا عنه ... وخلوه ... كأن لم ... يعرفوه
وكأن القوم فيما ... كان فيه ... لم يلوه
وهآنذا أذكر لك كلاماً حُقَّ له أن يُنْقَشَ على الصدور وأن يُكْتَبَ بماء الذهب من عمر ابن عبد لعزيز رحمه الله تعالى الذي ملأ الدنيا زهداً وكفافاً وقناعةً وعدلاً