كانت آخر خطبة خطبها: حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدىً وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه، وباع فانياً بباقٍ، ونافداً بما لا نفاد له، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيكون من بعدكم للباقين، كذلك ترد إلى خير الوارثين، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع، قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحباب، وواجه التراب والحساب، فهو مرتهن بعمله، غني عما ترك، فقير لما قدم، فاتقوا الله قبل القضاء، راقبوه قبل نزول الموت بكم، أما إني أقول هذا ... ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله، وفي رواية: وأيم الله إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي، ولكنها سنن من الله عادلة أمر فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيته، وأستغفر الله، ووضع كمّه على وجهه فبكى حتى بلّ لحيته فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه الله.
[(١٨) حسن ظن عمر بن عبد العزيز بالمسلمين:]
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي أبي: يا بني إذا سمعت كلمة من امرىء مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير.
[(١٩) مجالسة عمر بن عبد العزيز لأهل العلم واحترامه لهم:]
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا فصلى الظهر دعا بعشرة عروة وعبيد الله وسليمان بن يسار والقاسم وسالما وخارجة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة وعبد الله بن عامر بن ربيعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه ونكون فيه أعوانا على الحق ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل ظلامة فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني فجزوه خيرا.