(ومراده بالتجريد المحض: التبتل عن ملاحظة الأعواض بحيث لا يكون المتبتل كالأجير الذي لا يخدم إلا لأجل الأجرة فإذا أخذها انصرف عن باب المستأجر بخلاف العبد فإنه يخدم بمقتضى عبوديته لا للأجرة فهو لا ينصرف عن باب سيده إلا إذا كان آبقا والآبق قد خرج من شرف العبودية ولم يحصل له إطلاق الحرية فصار بذلك مركوسا عند سيده وعند عبيده وغاية شرف النفس: دخولها تحت رق العبودية طوعا واختيارا ومحبة لا كرها وقهرا كما قيل: شرف النفوس دخولها في رقهم، والعبد يحوي الفخر بالتمليك، والذي حسن استشهاده بقوله:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} في هذا الموضع: إرادة هذا المعنى وأنه تعالى صاحب دعوة الحق لذاته وصفاته وإن لم يوجب لداعيه بها ثوابا فإنه يستحقها لذاته «فهو أهلٌ أن يعبد وَحْدَه وَيُدْعَى وَحْدَه وَيُقْصَدُ وَيُشْكَرُ وَيُحْمَدُ وَيُحَبُ وَيُرْجَى وَيُخَاف وَيُتَوَكَل عليه وَيُسْتَعانُ به وُيُسْتَجار به وَيُلْجَأ إليه وَيُصْمَدُ إليه فتكون الدعوة الإلهية الحق له وحده»، ومن قام بقلبه هذا معرفة وذوقا وحالا صح له مقام التبتل والتجريد المحض، وقد فسر السلف دعوة الحق بالتوحيد والإخلاص فيه والصدق ومرادهم: هذا المعنى.
(فقال علي رضي الله عنه دعوة الحق: التوحيد.
(وقال ابن عباس رضي الله عنهما: شهادة أن لا إله إلا الله.
(وقيل: الدعاء بالإخلاص والدعاء الخالص لا يكون إلا لله وحده ودعوة الحق دعوة الإلهية وحقوقها وتجريدها وإخلاصها. أهـ.
( ... فصلٌ في منزلة الرغبة والرهبة:
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة
الرغبة قال الله عز وجل:{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً}[الأنبياء: ٩٠] والفرق بين الرغبة و الرجاء أن الرجاء طمع والرغبة طلب فهي ثمرة الرجاء فإنه إذا رجا الشيء طلبه والرغبة من الرجاء كالهرب من الخوف فمن رجا شيئا طلبه ورغب فيه ومن خاف شيئا هرب منه. أهـ
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (