هكذا رواه من هذا الوجه، عن ابن عباس. وهذا القول هو اختيار ابن جرير. ثم رواه من طريق الثوري وعبد الله بن إدريس، كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} ستون سنة.
فهذه الرواية أصح عن ابن عباس، وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضًا، لما ثبت في ذلك من الحديث ـ كما سنورده ـ لا كما زعمه ابن جرير، من أن الحديث لم يصح؛ لأن في إسناده مَنْ يجب التثبت في أمره.
وقد روى أصبغ بن نُباتة، عن علي، رضي الله عنه، أنه قال: العمر الذي عَيَّرهم الله به في قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} ستون سنة.
- ثم ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلَّغه ستين سنة. انتهى.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر اللّه إليه في العمر) أي بسط عذره على مواضع التملق له وطلب العذر إليه كما يقال لمن فعل ما نهى عنه ما حملك على هذا؟ فيقول خدعني فلان وغرّني كذا ورجوت كذا وخفت كذا فيقال له قد عذرناك وتجاوزنا عنك فإذا لم يرجع العبد ويعتذر مع تلاهي العمر وحلول الشيب الذي هو نذير الموت بساحته فقد خلع عذاره ورفض إنذاره وعدم الحجة في ترك الحجة ولا قوة إلا باللّه، قال ابن بطال: إنما كانت الستون حدّاً لذلك لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة وترقب المنية فهذا إعذار بعد إعذار لطفاً منه تعالى بعباده حتى ينقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجة الواضحة.
• أهل النار لا يزالون في رجاء حتى يذبح الموت:
ولا يزال أهل جهنم في رجاء الفرج إلى أن يذبح الموت فحينئذ يقع منهم الإياس وتعظم عليهم الحسرة والحزن وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.