إن علم الآداب له فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم، وهو نعمةٌ عظيمة، وَمِنَّةٌ جسيمة، نعمة كبرى، ومنحة عظمى، شأنه عظيم، ونفعه عميم، له فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، وله أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، وهو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، ثم إن الناس إذا تحلوا بمراعاة الأدب بينهم حصل الاطمئنان والأمن بينهم، فحقوقهم مكفولة وسمعتهم محترمة ومكانتهم محفوظة، فيطمئنون على أنفسهم لأن الأدب ينزع الأحقاد من صدور الناس وإذا التزم الناس بالآداب الشرعية صَفت النفوس فسادت الأخوّة والمحبة والألفة المجتمع، والناس جميعهم يحتاجون حاجَّةً ماسة إلى التحلي بالآداب وخاصةً الداعيةُ إلى الله تعالى يحتاجُ إلى التحلي بالآداب سيراً على منهج السلفِ الصالحِ في التعلم حيث كان منهجهم في التعلم (أن يتلقوْا العلمَ مع الأدب) لأن العلمَ بلا أدبٍ يجني على صاحبه ويُهلكه لأن الأدب طريقُ العلم النافع: فطالب العلم لن ينال العلم وبركته بدون أدب لأن العلمَ بلا أدبٍ يجني على صاحبه ويُهلكه، وقد حذّر السلف كثيراً من طلب العلم بدون أدب، فقال الإمام البوشنجي الفقيه المالكي (ت:٢٩١هـ)(من أراد العلم والفقه بغير أدب فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله) سير أعلام النبلاء (١٣/ ٥٨٦) للذهبي، وأورد الإمام بن الجزري في غاية النهاية في طبقات القُراء عن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: طلبت الأدب ثلاثين سنة، وطلبت العلم عشرين سنة، وكانوا يطلبون الأدب ثم العلم، أورد ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صفة الصفوة عن ابن المبارك قال: كاد الأدب يكون ثلثي العلم، وأورد ابن مفلح رحمه الله تعالى في الآداب الشرعية عن ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُزَيِّنْ عَمَلَهُ بِالْأَدَبِ، وقال أيضاً: قَالَ لِي مَخْلَدَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ نَحْنُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين (الأدب هو الدين كله) فمنزلة الأدب هي منزلة الدين عند العبد،
وقال رحمه الله (أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استُجلب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب، فتأمل أحوال كل شقيٍّ ومُدبِرٍ كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان).