قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني" قال العلماء: فيه إشارة إلى نيابة أبي بكر عنه وخلافته بعده وراحته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مستريح ومستراح منه الحديث، والدنيا سجن المؤمن، ولا كرب على أبيك بعد اليوم. قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه" أما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء، وأما فريه فروي بوجهين: أحدهما فريه بإسكان الراء وتخفيف الياء والثانية كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان، وأنكر الخليل التشديد وقال هو غلط اتفقوا على أن معناه لم أر سيداً يعمل عمله ويقطع قطعه، وأصل الفري بالإسكان القطع يقال فريت الشيء أفريه فرياً قطعته للإصلاح فهو مفري وفرى وأفريته إذا شققته على جهة الإفساد، وتقول العرب: تركته يفري الفرى إذا عمل العمل فأجاده، ومنه حديث حسان لأفرينهم فري الأديم أي أقطعهم بالهجاء كما يقطع الأديم. قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"حتى ضرب الناس بعطن" سبق تفسيره، قال القاضي: ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة، وقيل يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعاً لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر وضرب الناس بعطن لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(٥) غَيْرَةُ عمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وبشرى رسول الله له بقصر في الجنة:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) بينا نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال: (بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبرا). فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله.
هذا الحديث يشتمل على فضيلة ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برؤيته قصراً في الجنة للفاروق وهذا يدل على منزلته عند الله تعالى (١).
(٦) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أحب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه بعد أبي بكر: