ولقد منّ الله تعالى على سماحته ـ رحمه الله ـ فجمع له بين أكرم خصلتين، وأعظم خلتين وهما العلم والحلم، فبهما تميز عن غيره في زمنه، ولذا اتسع صدره، وامتد حلمه، وعذر الناس من أنفسهم، والتمس العذر لأغلاطهم. ولعل من المناسب إيراد ما يدل على حلمه وسعة صدره، وشفقته على الناس، فمن ذلك أنه دخل عليه في مجلس القضاء في الدلم، رجل كثير السباب فسبَّ الشيخ وشتمه، والشيخ لا يرد عليه، وعندما سافر الشيخ / عبد العزيز بن باز إلى الحج توفي هذا الرجل فجهّز للصلاة عليه، في جامع العذار، وكان إمامه آنذاك الشيخ / عبد العزيز بن عثمان بن هليل، فلما علم أنه ذلك الرجل تنحى وامتنع عن الصلاة عليه، وقال: لا أصلي على شخص يشتم عالم من علماء المسلمين مثل الشيخ ابن باز، بل صلوا عليه أنتم؛ فلما عاد الشيخ عبد العزيز من الحج وأخبر بموت ذلك الرجل ترحم عليه، وعندما علم برفض الشيخ ابن هليل الصلاة عليه، قال: إنه مخطئ في ذلك، ثم قال دلوني على قبره فصلى عليه وترحم عليه ودعا له.
ودخل عليه رجل آخر عنده قضية في الصباح الباكر، والشيخ يدرس الطلاب في الجامع ـ جامع الدلم ـ فوقف هذا الرجل عليهم، وأخذ ينادي بصوت مرتفع قائلا: قم افصل بين الناس، قم افصل بين الناس، واترك القراءة، فلم يزد الشيخ على أن قال: قم يا عبد الله بن رشيد، وأخبره يأتينا عندما نجلس للقضاء بعد الدرس.
وأخبرته برجل اغتابه سنين عديدة متهما إياه بصفات بذيئة، ونعوت مرذولة وأنه يطلب منه السماح والعفو، فقال: أما حقي فقد تنازلت عنه، وأرجو الله أن يهديه ويثبته على الحق.
ولقد جمعت لكَ أخي الكريم بعض مواقف سماحة شيخنا ابن باز ـ رحمه الله ـ وردوده الثابته والمبنيّة على الحق، فمع كثرة مشاغله ـ يرحمه الله ـ في الدعوة إلى الله والتعلم والتدريس والإفتاء إلا أنه أيضا سَخَّرَ قلمه في نصرة الحق وأهله, فتارة يناصح رئيسا وتارة يتعقب كاتبا وتارة يصحح مفهوما خاطئاً وتارة يكشف شبهة وهكذا .. وهذه نماذج من مناصحته ورسائله اكتفى بالإشارة إليها دون نقل تفاصيلها ليسهل الرجوع إليها لمن أراد الاستفادة منها:
[من مواقف سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:]
(١) رسالته للملك فيصل يحثه فيها على الدعوة إلى الله ومناصحة رؤساء بعض الدول بتحكيم شرع الله "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(٦/ ٧٢)