ثم دعا بشَرْبة من لبن فشرب، فخرج بياض اللبن من الجرحين، فعرف أنَّه الموت، فقال: الآن لو أنَّ لي الدنيا كلَّها لافتديت بها من هول المُطَّلَع، وما ذاك ـ والحمد لله ـ أن أكون رأيت إلا خيراً. فقال (ابن عباس) وإن قلت فجزاك الله خيراً، أليس قد دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعزَّ الله بك الدين والمسلمين إِذ يخافون بمكة، فلما أسلمت كان إِسلامك عزَّاً، وظهر بك الإِسلام ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وهاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحاً، ثم لم تَغِب عن مشهد شهده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا. ثم قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راضٍ، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربت بمن أقبل على من أدبر حتى دخل الناس في الإِسلام طوعاً وكرهاً. ثم قُبض الخليفة وهو عنك راضٍ. ثم وَلِيت بخير ما وليَ الناس، مصَّرَ الله بك الأمصار، وجبى بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسِعتهم في دينهم وتوسِعتهم في أرزاقهم؛ ثم ختم لك بالشهادة؛ فهنيئاً لك.
فقال: والله إنّ المغرور من تَغرونه، ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ فقال: نعم، فقال: اللهمَّ لك الحمد، ألصِق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر فوضعته من فخذي على ساقي فقال: ألصق خدي بالأرض، فترك لحيته وخدَّه حتى وقع بالأرض، فقال: ويلك وويلَ أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك يا عمر ثم قُبض رحمه الله. فلما قُبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمرك به من مشاورة المهاجرين والأنصار وسَراة من هنا من الأجناد. قال الحسن ـ وذُكر له فعل عمر رضي الله عنه عند موته وخشيته من ربه ـ فقال: هكذا المؤمن جمع إحساناً وشفقة، والمنافق جمع إساءة وغرَّة، والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبداً إزداد إساءة إلا إزداد غرَّة. قال الهيثمي: وإسناده حسن.
دَيْن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ودفنه مع صاحبيه واستخلافه النفر الستة: