ويخطئ من يظن أن الموت فناء محض وعدم تام ليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ولا نشر ولا جنة ولا نار، إذ لو كان الأمر كذلك لا نتفت الحكمة من الخلق والوجود، ولاستوى الناس جميعاً بعد الموت واستراحوا، فيكون المؤمن والكافر سواء، والقاتل والمقتول سواء، والظالم والمظلوم سواء، والطائع والعاصي سواء، والزاني والعفيف سواء، والفاجر والتقي سواء، وهذا مذهب الملاحدة الذين هم شر من البهائم، فلا يقول ذلك إلا من خلع رداء الحياء، ونادى على نفسه بالسفه والجنون ـ نعوذ بالله من الخبال ـ قال تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:٧]، وقال سبحانه: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:٧٩،٧٨]
(ولله درُ من قال:
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي:
ولكنا إذا متنا بعثناونسأل بعده عن كل شيء
[*] (قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "يا أهل الدنيا إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للأبد والبقاء، وإنما تنقلون من دار إلى دار".
فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار، وبه تطوى صحف الأعمال، و تنقطع التوبة والإمهال كما في الحديث الآتي:
(حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إنّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ ما لَمْ يُغَرْغِرْ».
[الموت أعظم المصائب:]
مسألة: ما هي حقيقة الموت؟
[*] (قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في التذكرة: قال القرطبى رحمه الله في التذكرة: قال العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار، وهو من أعظم المصائب , وقد سماه الله تعالى مصيبة , فى قوله تعالى: فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:١٠٦] فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى.
قال علماؤنا: وأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفكير فيه، وترك العمل له، وإن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر أهـ.