للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج مسلم، والبيهقي ـ واللفظ له ـ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ـ فذكر حديثاً طويلاً، وذكر فيه رجوعهم من غزوة بني فَزارة. قال: فلم نمكث إلا ثلاثاً حتى خرجنا إلى خيبر. قال: وخرج عامر رضي الله عنه فجعل يقول:

والله لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا

ونحن من فضلك ما استغنينا

فأنزلنْ سكينةً علينا

وثبِّتِ الأقدامِ إِن لاقينا

قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من هذا القائل؟ " فقالوا: عامر فقال: "غفر لك ربك". قال: ما خصّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطُّ أحداً به إِلا استشهد ـ. فقال عمر رضي الله عنه ـ وهو على جمل ـ: لولا متَّعْتَنا بعامر. قال: فقدمنا خيبر، فخرج مرحب وهو يخطِر بسيفه ويقول:

قد علمت خيبر أني مَرْحَبْ

شاكي السلاحِ بطل مُجَرّبْ

إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبْ

قال: فبرز له عامر رضي الله عنه وهو يقول:

قد علمت خيبر أني عامر

شاكي السلاحِ بطل مغامر

قال: فاختلفنا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر رضي الله عنه، فذهب يسعل له، فرجع على نفسه فقطع أكْحَله فكانت فيها نَفْسهُ. قال سلمة رضي الله عنه: فخرجت فإذا نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: بَطَل عَملُ عامر، قَتَلَ نفسَه. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي. فقال: "ما لك؟ " فقلت: قالوا: إن عامراً بطل عمله فقال: "من قال ذلك؟ " فقلت: نفر من أصحابك. فقال: "كذب أولئك، بل له الأجر مرّتين". قال: وأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى علي يدعو وهو أرمد؛ وقال: "لأُعْطِيَنَّ الراية اليوم رجلاً يحبُّ الله ورسولَه". قال: فجئت به أقوده. قال: فبصق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عينه فبرأ؛ فأعطاه الراية. فبرز مرحب وهو يقول:

قد علمت خيبر أني مرحبْ

شاكي السلاحِ بطل مجرّبْ

إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبْ

قال فبرز له رضي الله عنه وهو يقول:

أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَة

كَلَيْثِ غاباتٍ كريهِ المنظرهْ

أُوفيهم بالصاع كيل السَّنْدَره

قال فضرب مرحباً ففلق رأسه فقلته، وكان الفتح. هكذا وقع في هذا السياق: أنّ علياً هو الذي قتل مرحباً اليهودي ـ لعنه الله ـ.

ومما يدلّ على شجاعته رضي الله عنه أنه نام مكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهجرة.

(١٦) ومن مناقبه - رضي الله عنه - كريم خُلقه:

ولأدل على ذلك الموقف الآتي:

<<  <  ج: ص:  >  >>