فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل «سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا» لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج: [اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك، فقال: بل اختر أنت لنفسك يا حجاج؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].
• فلو أن هذا الذي يهدر الدم الحرام بغير حق تدبر الحكمة القائلة: بشر القاتل بالقتل لأحجم عن فعلة عاقبتها الهلكة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
• ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم علم أن عدل الله قد يقضي أن يسلط على عرض أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته من لا يتقي الله فيه، فينال منه كما نال هو من عرض أخيه لانتهى وانزجر.
• ولله درُ من قال:
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا ... سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجد ... ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
من يَزن يُزن به ولو بجداره ... إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
من يزن في بيت بألفي درهم ... ففي بيته يزنى بغير الدرهم
• ولو أن الوصي على مال اليتيم سَوَّلَ له الشيطان أكله بالباطل فاستحضر قول الله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (النساء:٩).
لاتقى الله في مال اليتامى ولحافظ عليهم وعلى أموالهم حتى يحفظ الله ذريته من بعده (جَزَاءً وِفَاقاً).
إن اليقين بهذه القاعدة من قواعد نظام الكون لَيَمْنَح وقوداً إيمانياً عجيباً لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقاً بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله تعالى لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وَكَذالِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ} [هود:١٠٢]
• تأصيل سنة الجزاء من جنس العمل: