وأيضا فإذا عرف حقارتها مع عظم قدر من خالفه عظمت الجناية عنده فشمر في التخلص منها وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به يكون تشميره في التخلص من الجناية التي تلحق به.
ومدار السعادة وقطب رحاها: على التصديق بالوعيد «فإذا تعطل من قلبه التصديق بالوعيد خرب خراباً لا يرجى معه فلاح البتة» والله تعالى أخبر أنه إنما تنفع الآيات والنذر لمن صدق بالوعيد وخاف عذاب الآخرة فهؤلاء هم المقصودون بالإنذار والمنتفعون بالآيات دون من عداهم قال الله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ)[هود: ١٠٣]
وقال تعالى (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا)[النازعات: ٤٥] وقال تعالى {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق:٤٥] وأخبر تعالى أن أهل النجاة في الدنيا والآخرة هم المصدقون بالوعيد الخائفون منه فقال تعالى (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)[إبراهيم: ١٤].
قال: "وأما معرفة الزيادة والنقصان من الأيام: فإنها تستقيم بثلاثة أشياء: سماع العلم وإجابة داعي الحرمة وصحبة الصالحين «وملاك ذلك كله خلع العادات».
يعني أن السالك: على حسب علمه بمراتب الأعمال ونفائس الكسب تكون معرفته بالزيادة والنقصان في حاله وإيمانه وكذلك تفقد إجابة داعي تعظيم حرمات الله من قلبه هل هو سريع الإجابة لها أم هو بطيء عنها فبحسب إجابة الداعي سرعة وإبطاء تكون زيادته ونقصانه.
وكذلك صحبة أرباب العزائم المشمرين إلى اللحاق بالملأ الأعلى يعرف به ما معه من الزيادة والنقصان.
والذي يملك به ذلك كله خروجه عن العادات والمألوفات وتوطين النفس على مفارقتها والغربة بين أهل الغفلة والإعراض وما على العبد أضر من ملك العادات له وما عارض الكفار الرسل إلا بالعادات المستقرة الموروثة لهم عن الأسلاف الماضين فمن لم يوطن نفسه على مفارقتها والخروج عنها والاستعداد للمطلوب منه فهو مقطوع وعن فلاحه وفوزه ممنوع قال تعالى:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}[التوبة: ٤٦].
(فصلٌ في منزلة العزم:
مسألة: ما هو العزم؟
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين: