للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كزاد الراكب) يعني ليكفك من الدنيا ما يبلغك إلى الآخرة فالمؤمن يتزود منها والفاجر يستمتع فيها والأصل أن من امتلأ قلبه بالإيمان استغنى عن كثير من مؤن دنياه واحتمل المشاق في تكثير مؤن أخراه، وفيه تنبيه على أن الإنسان مسافر لا قرار له فيحمل ما يبلغه المنزلة بين يديه مرحلة مرحلة ويقتصر عليه وفي بعض الكتب المنزلة ابن آدم خذ من الددنيا ما شئت وخذ من الهم أضعافه. (تنبيه) كان بعض العارفين إذا انقضى فصل الشتاء أو الصيف يتصرف في الثياب الذي يلبسها في ذلك الفصل ولا يدخرها إلى الفصل الآخر وهو مقام عيسوي فإن المسيح عليه السلام لم تكن له ثياب تطوى زيادة على ما عليه من جبة صوف أو قطن وكانت مخدته ذراعيه وقصعته بطنه ووضع لبنة على لبنة من طين تحت رأسه فقال له ابليس قد رغبت يا عيسى في الدنيا بعد ذلك الزهد فرمى بهما واستغفر وتاب، وكان أبو حذيفة يقول: أحب الأيام إلي يوم يأتيني الخادم فيقول: ما في بيتنا اليوم شيء نأكله، هذا تأكيد شديد في الترغيب في الزهد، قال العلائي: والباعث عليه قصر الأمل ولهذا أشار إليه بقوله كزاد الراكب تشبيهاً للإنسان في الدنيا بحال المسافر. أهـ

[*] قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة.

[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه اللطائف:

خلقنا نتقلب في " ستة " أسفار إلى أن يستقر بالقوم المنزل: السفر الأول: سفر السلالة من الطين السفر الثاني: سفر النطفة من الظهر إلى البطن السفر الثالث: من البطن إلى الدنيا الرابع: من الدنيا إلى القبور الخامس: من القبور إلى العرض السادس: من العرض إلى منزل الإقامة.

فقد قطعنا نصف السفر وما بعد أصعب.

إخواني: السنون مراحل والشهور فراسخ والأيام أميال والأنفاس خطوات والطاعات رؤوس أموال والمعاصي قطاع الطريق والربح الجنة والخسران النار ولهذا الخطب شمر الصالحون كلما رأوا مركب الحياة يتخطف في بحر العمر، شغلهم ما هم فيه عن عجائب البحر فما كان إلا قليل حتى قدموا من السفر فاعتنقتهم الراحة في طريق التلقي فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الدهر.

يا جبان العزم: لو فتحت عين البصيرة فرأيت بإنسان الفكر ما نالوا لصاح لسان التلهف: يا ليتني كنت معهم وأين الأرض من صهوة السماء.

ألا أنت والله منهم ولا تدري من هم.

• رفض الدنيا:

<<  <  ج: ص:  >  >>