فأجاب: الحمد لله رب العالمين، للناس في هذه الأسماء مقالات معروفة منها أن يقال علم اليقين ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنظر وعين اليقين ما شاهده وعاينه بالبصر وحق اليقين ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاعتبار فالأولى مثل من أخبر أن هناك عسلا وصدق المخبر أو رأى آثار العسل فاستدل على وجوده والثاني مثل من رأى العسل وشاهده وعاينه وهذا أعلى كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس المخبر كالمعاين
كتاب الزهد والورع والعبادة، الجزء ١، صفحة ٧٧.
(فصلٌ في منزلة الأنس بالله:
((قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الأنس بالله
قال صاحب المنارل رحمه الله: وهو روح القرب ولهذا صدر منزلته بقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: ١٨٦] فاستحضار القلب هذا البر والإحسان واللطف: يوجب قربه من الرب سبحانه وتعالى وقربه منه يوجب له الأنس و الأنس ثمرة الطاعة والمحبة فكل مطيع مستأنس وكل عاص مستوحش كما قيل:
فإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس
والقرب يوجب الأنس والهيبة والمحبة. أهـ
((كل طائع مستأنس، وكل عاص مستوحش:
من أبرز العلامات الدالة على صحة القلب وسلامته أن صاحبه يأنس بالله وطاعته وذكره سبحانه.
((قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدله عليه، ويذكره به، ويذاكره بهذا الأمر" إغاثة اللهفان.
فالأنس بالله تعالى روح القرب منه جل وعلا، والأنس بالله تعالى حالة وجدانية تحمل على التنعم بعبادة الرحمن، والشوق إلى لقاء ذي الجلال والإكرام ..
((قال أحد السلف:" مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته".
وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه، فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له، فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة، فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله إليه وأنسه به أعظم.