قبل أن تصل، فقد وقع أجرك على الله .. ! أما إذا فسح الله لك في العمر، ثم دمت على هذا الطريق، فيوشك أن ترى ألواناً من العجب في طريق رحلتك هذه.
[حكم تزكية النفوس:]
اختلف حكم التزكية عند العلماء نظرا لخلافهم في الأصل عند الإنسان هل هو السلامة والمرض طارئ أم الخلل والكمال مكتسب.
فذهب صاحب الإحياء إلى أن التزكية فرض عين على كل إنسان .. فالأصل عنده المرض واستدل بحادثة شق الصدر. بأن كل إنسان في قلبه نزغة الشيطان وأن الله استلها من صدر نبيه ولكنها بقيت عند بقية الخلق فتحتاج إلى مجاهدة لهذه النزغات بالتربية والتزكية.
وقال الجمهور: بل هي فرض كفاية، والأصل في الخلق السلامة، واستدلوا بحديث "كل مولود يولد على الفطرة".
والجمع بين القولين أن غالب النفوس، ولو قلنا بأن الأصل فيها السلامة، إلا إنها قابلة للشهوات، مائلة إلى الملذات، نافرة عن الطاعات، مقبلة على الغفلات .. والمسلم مطالب بالبحث عن سلامة نفسه من كل هذا فلزمه أن يعمل على تزكيتها وتطهيرها.
والذي يعيد النظر في أسباب التزكية والتربية يكاد لا يتردد في أن الحاجة إليها ربما تصل إلى حكم الواجب العيني وهو ما قال به بعض العلماء وأكدوه.
[*] (قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر: "المؤمن العاقل لا يترك لجامها ولا يهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت والزمام بيده فما دامت على الجادة فلا يضايقها بالتضييق عليها، فإذا رآها مالت ردها بلطف، فإن ونت وأبت فبالعنف".
وقال أبو يزيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.
[كيفية تزكية النفس:]
لا يستطيع أن يربي الإنسان نفسه على رضى الله تعالى إلا بقوتين:
الأولى: قوة علمية.
الثانية: قوة عملية.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في (طريق الهجرتين) " كل سائر إلى مقصد لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين، أما الأولى: فقوة علمية، وأما الثانية: فقوة عملية.
(وقفة مع القوتين:
أولاً: القوة العملية:
تقوم على ركيزتين
الأولى: الإرادة والعزيمة:
وهما نوعان كما ذكره ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه على حديث شداد بن أوس، يقول: " والعزم نوعان: عزم المريد على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها وعلى الانتقال من حال كامل إلى حال أكمل منه وهو من النهايات "