فحق على الحازم المؤمن بالله وباليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها، وخطراتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة، يمكن أن يشترى بها كنزاً من الكنوز لا يتناهي نعيمه أبد الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها مما يجلب هلاكه خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن، قال تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}(آل عمران: من الآية ٣٠).
[كيفية محاسبة النفس؟]
[*] قال ابن القيم رحمه الله – مختصر كلامه-:
أن يبدأ بالفرائض فإذا رأى فيها نقص تداركه ثم المناهي "المحرمات" فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له، فإن رأى أنه غفل عما خُلِق له فليتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله ويحاسب نفسه على كلمات الجوارح من كلام اللسان ومشي الرجلين وبطش اليدين ونظر العينين وسماع الأذنين ماذا أردتُ بهذا ولمن فعلته وعلى أي وجه فعلته؟
(فيبدأ بالفرائض، ويجب أن نعرف أن جنس الواجبات في الشريعة أعلى من ترك المحرمات، كلاهما لابد منه، لكن للفائدة فجنس فعل الواجب أعلى في الشريعة وأكثر أجراً من جنس ترك المحرم، لأن الواجبات هي المقصود الأصلي وهذه المحرمات ممنوعة، ولكن ما هو الأصل؟ أن تقوم بالواجبات، فأول ما يبدأ بالفرائض فإن رأى منها نقصاً تداركه (الوضوء-الصلاة-الصيام بدون نية- كفارة اليمين) .. ، فاستدراك الخطأ في الواجبات نتيجة للمحاسبة، وهناك تقصير يمكن استدراكه وهناك آخر لا.
(ثم المحرمات والمناهي .. ، فهناك أمور تحتاج التوقف الفوري (كسب حرام – عمل حرام)، وأشياء تدارُكها (التخلص من الأموال الحرام بعد التوبة-أكل حقوق العباد فيعيد المال إلى أصحابه)، وبعضها يحتاج إلى التحلل منها وطلب السماح، وهناك أشياء لا يمكن تداركها إلا بالتوبة والندم وعقد العزم على عدم العودة والإكثار من الحسنات الماحية لأن الله تعالى قال:(وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مّنَ الْلّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىَ لِلذّاكِرِينَ)[هود: ١١٤]