لما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده وأخذ عليهم الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي بالأمر من أمره فأنفذ ذلك الأمر فما ترون؟! فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرا لدين الله وعباده فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.
ودعاه يومًا ابن هبيرة، وكان يزيد بن عبد الملك قد ولي ابن هبيرة العراق وخراسان، وكان مع الحسن الشعبي، فسألهما ابن هبيرة في كتب تصل إليه من أمير المؤمنين فيها ما يغضب الله؛ فتكلم الشعبي فتلطف في الكلام، فلما تكلم الحسن زأر كالأسد، وانطلق كالسهم، وانقض كالسيف، قائلاً: يا ابن هبيرة: خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد، يا ابن هبيرة، إنك إن تك مع الله وفي طاعته، يكفك بائقة ـ أذى ـ يزيد، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوقٍ كائنًا من كان في معصية الخالق.
[(٩) سعة علم الحسن البصري وأسبابها:]
كان الحسن البصري رحمه الله جامعًا، عالمًا، فقيهًا، ثقة، حجة مأمونًا فصيحًا، ويعد الحسن رضي الله عنه سيد أهل زمانه علمًا وعملاً، وأشدهم فصاحة وبيانًا، وقد برع ـ رحمه الله ـ في الوعظ والتفسير براعة لا تفاق، حتى كان فارس الميدان، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها:
أولاً: نشأته في بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فقد رضع من ثديها، كما رضع منها علمًا وفقهًا.