والذي دفعنا إلى هذا الاستطراد هو قول هذا الإمام الجليل ابن سكينة الذي كان لا يضيع شيئاً من وقته، يقول يحيى بن القاسم: كنا إذا دخلنا عليه يقول: لا تزيدوا على: (سلام عليكم، مسألة) لحرصه على الوقت. أما أن تخاطب الشيخ الذي تسأله في التلفون قائلاً: كيف الحال؟! وكيف الأولاد؟! وتأتي بمقدمات طويلة ثم بعد ذلك تأتي بالسؤال فلا. وبعض الإخوة يتصلون بي من وراء البحار، والأخ المتصل حينها الظاهر أنه يدفع مبالغ كبيرة في المكالمة، ومع هذا يضيع الوقت فيما لا فائدة فيه. فكأن هذا الشيخ يقول: وقتي أغلى عندي من هذه الدولارات التي يدفعونها في المكالمات. فلا تضيع الوقت في الأسئلة التي لا طائل من ورائها، وركز في سؤالك مكتفياً بقولك: ما حكم كذا. أما كثرة الثرثرة بلا طائل فهي من إنفاق الوقت بما لا يعود على العبد بفائدة. ......
• الترويح عن النفس ليس مضيعةً للوقت:
مسألة: هل الترويح عن النفس مضيعةً للوقت؟
الجواب: أن الترويح عن النفس إن كان مما أباحته الشريعة الغراء فليس مضيعةً للوقت بل هو عونٌ بعد الله تعالى في استجلاب النشاط والقضاء على الفتور الذي يعترى الإنسان أحيانا لأن القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان وإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو المباح.
[*] • قال الخليفة الراشد عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -: أَجِمُّوا هذه القلوبَ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ.
[*] • وقال أسامة بن زيد - رضي الله عنه -: روحوا القلوب تعي الذكر.
[*] • وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ: (بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ، من ثِقَلِ العِبادةِ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه، ولهذا قالَ مُعاذٌ: إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي.
وقالَ: (بل قد قيلَ: إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ: إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ. واللهُ أَعْلَمُ) أهـ.