كان الإمام أبي داودإمام من أئمة الهدى وأعلام التقى ومصابيح الدجى، من حلية الأولياء وأعلام النبلاء، الأضواء اللامعة والنجوم الساطعة، من الطبقة التي تلي تابعي التابعين:
[عصر أبي داود:]
ولد أبو داود في مطلع القرن الثالث الهجري وتوفي في أواخره.
والقرن الثالث هو العصر العلمي الذهبي في تاريخنا كله، وقد أتيح للمؤلف رحمه الله أن يشهد نضج الحضارة الإسلامية في هذا القرن، كما أتيح له أن يعيش هذا العصر الذي ازدحم بالعبقريات والموهوبين الأفذاذ في شتى شؤون الفكر.
ويكفينا للدلالة على ذلك أن نذكر من أعلام هذا القرن الأسماء الآتية:
ففي الحديث:
كان البخاري ومسلم ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل والترمذي والنسائي.
وفي الفقه:
كان الربيع والمزني صاحبا الشافعي وداود الظاهري وغيرهم.
وفي الشعر:
كان علي بن الجهم وابن الرومي والبحتري وابن المعتز.
وفي العلم بالأدب:
كان المبرد وابن قتيبة والجاحظ وثعلب والفراء، وغيرهم كثير. وهكذا .. ولا شك في أنَّ أبا داود كان واحداً من هؤلاء العمالقة الأفذاذ في هذا العصر.
وكانت الحضارة قد بدأت تؤتي ثمارها وتنضج نضجاً رائعاً ترك أطيب الأثر في حياة المسلمين والدنيا كلها.
وما نزال معجبين بهذه الحضارة التي أينعت ثمارها وامتدت ظلالها في هذا القرن فكان هذا التراث العظيم الذي ما زالت الأجيال وستبقى تعيش مفيدة من مائدته.
مولد أبو داود:
ولد أبو داود سنة ٢٠٢هـ في ظل الخليفة العباسي العالم المأمون، وإن استعراض أسماء الخلفاء الذين جاءوا إلى سدة الخلافة خلال حياة أبي داود ليشعرنا بفخامة العصر الذي كان فيه.
فبعد المأمون (ت٢١٨هـ) جاء للخلافة المعتصم (ت٢٢٧هـ) ثم الواثق (ت٢٣٢هـ) ثم المتوكل (ت٢٤٧هـ) ثم المنتصر (ت٢٤٨هـ) ثم المستعين (ت٢٥٢هـ) ثم المعتز (ت٢٥٥هـ) ثم المهتدي (ت٢٥٦هـ) ثم المعتمد على الله (ت ٢٧٩هـ).
وهذا الأخير حَجَر عليه أخوه الموفق واستبدّ بالأمر دونه، ولم يصبح خليفة، وللموفق مع أبي داود أخبار سنذكر طرفاً منها فيما بعد.
[اسم أبي داود ونسبه:]
هو أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني.
وعمران هذا ذكر ابن عساكر وابن حجر أنه قتل مع علي بن أبي طالب بصفين. وأبو داود عربي صميم من الأزد، والأزد قبيلة معروفة في اليمن.