للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت كلمة هينة، ولكنها أصابت من ربيعة مَوجعاً .. فإذا أبو بكر يُزَلزلُ من أجلها، ويأبى إلا القصاص عليها، مع أنه يومئذ كان الرجل الثاني في الإسلام بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي كلمة لا يمكن أن تكون من فُحش القول أبداً: لأن أخلاقه لم تسمع بهذا، ولم يؤثر عنه حتى في الجاهلية شيء من هذا (١).

لقد خشي الصديق مغبة تلك الكلمة، ولهذا اشتكى لرسول الله، وهذا أمر عجيب فإن أبا بكر قد نسى أرضه ونسى قضية الخلاف، وشغل باله أمر تلك الكلمة لأن حقوق العباد لابد فيها من عفو صاحب الحق (٢)، وفي هذا درس للشيوخ والعلماء والحكام والدعاة في كيفية معالجة الأخطاء ومراعاة حقوق الناس وعدم الدوس عليها بالأرجل.

وقد استنكر قوم ربيعة أن يذهب أبو بكر يشتكي إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الذي قال ما قال، ولم يعلموا ما علمه أبو بكر من لزوم إنهاء قضايا الخصومات، وإزالة ما قد يعلق في القلوب من الوجدة في الدنيا قبل أن يكتب ذلك في الصحف ويترتب عليه الحساب يوم القيامة.

وبالرغم مما ظهر من رضي ربيعة وتوجيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الى عدم الرد على أبي بكر فإن أبا بكر قد بكى من خشية الله تعالى، وهذا دليل على قوة إيمانه، ورسوخ يقينه.

وأخيراً موقف يذكر لربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه -، حيث قام بإجلال أبي بكر - رضي الله عنه -، وأبى أن يرد عليه بالمثل، وهذا من تقدير أهل الفضل والتقدم والمعرفة بحقهم، وهو دليل على قوة الدين ورجاحة العقل (٣).

[(٢٧) مسابقته في الخيرات:]

اتصف الصديق - رضي الله عنه - بالأخلاق الحميدة، والصفات الرفيعة ومسابقته في الخيرات حتى صار في الخير قدوة، وفي مكارم الأخلاق أسوة، وكان حريصاً أشد الحرص على الخيرات، فقد أيقن أن ما يمكن أن يقوم به المرء اليوم، قد يكون غير ممكن في الغد، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ولذلك كان من المسارعين في الخيرات،

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من أصبح منكم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا.


(١) خلفاء الرسول، خالد محمد خالد، ص١٠٣.
(٢) التاريخ الاسلامي (١٩/ ١٦).
(٣) نفس المصدر (١٩/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>