(حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: ما ترك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة.
{تنبيه}: وهذا مثل أعلى في الزهد في الدنيا والتقلل من متاعها , فلقد كان بإمكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون أغنى رجل في العرب وربما في العالم , فلقد أفاء الله تعالى عليه في الغزوات أموالا عظيمة, ويكفي مثالا على ذلك غزوة حنين حيث كان يعطي الرجل الواحد مابين جبلين من الغنم والإبل, وأعطى عددا من زعماء العرب وأكابرهم كل واحد مائة من الإبل ولم يدخر لنفسه من ذلك شيئا, والْتَحق - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرفيق الأعلى وهو على تلك الصفة المذكورة من التقشُّف والزهد البالغ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لو أن عندي مثلَ أحدٍ ذهباٍ ما يسرني أن لا يمَّر عليَّ ثلاث وعندي منه شيءٌ إلا شيءٌ أرْصُدُه لدين.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير.
(لو أن عندي مثلَ أحدٍ) أي جبل أحد
(ذهباً) بالنصب على التمييز قال ابن مالك بوقوع التمييز بعد مثل قليل وجواب لو
(ما يسرني) من السرور بمعنى الفرح
(أن لا يمر عليَّ) بالتشديد
(ثلاث) من الليالي ويجوز الأيام بتكلف
(وعندي منه شيء) أي من الذهب، وفي التقييد بثلاث مبالغة في سرعة الإنفاق
(إلا شيء أرصده) بضم الهمزة وكسر الصاد أعدَّه
(لدين) أي أحفظه لأداء دين لأنه مقدم على الصدقة واستثنى الشيء من الشيء لكون الثاني مقيداً خاصاً ورفعه لكونه جواب لو في حكم النفي وجعل لو هنا للتمني متعقب بالرد وخص الذهب بضرب المثل لكونه أشرف المعادن وأعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها وأعظم شيء عصى اللّه به وله قطعت الأرحام وأريقت الدماء واستحلت المحارم ووقع التظالم وهو المرغب في الدنيا المزهد في الآخرة وكم أميت به من حق وأحيي به من باطل ونصر به ظالم وقهر به مظلوم فمن سره أن لا يكون عنده منه شيء فقد آثر الآخرة.
(٣) أن الله تعالى وصف أهله بالعلم وهو غاية الثناء: