للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وقدم جماعة فتيان لزيارة فتى فقال الرجل: يا غلام قدم السفرة فلم يقدم فقالها ثانيا وثالثا فلم يقدم فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: ليس من الفتوة أن يستخدم الرجل من يتعاصى عليه في تقديم السفرة كل هذا فقال الرجل: لم أبطأت بالسفرة فقال الغلام: كان عليها نمل فلم يكن من الأدب تقديم السفرة إلى الفتيان مع النمل ولم يكن من الفتوة إلقاء النمل وطردهم عن الزاد فلبثت حتى دب النمل فقالوا: يا غلام مثلك يخدم الفتيان.

(ومن الفتوة التي لا تلحق: ما يذكر أن رجلا نام من الحاج في المدينة ففقد هميانا فيه ألف دينار فقام فزعا فوجد جعفر بن محمد فعلق به وقال: أخذت همياني فقال: أي شيء كان فيه قال: ألف دينار فأدخله داره ووزن له ألف دينار ثم إن الرجل وجد هميانه فجاء إلى جعفر معتذرا بالمال فأبى أن يقبله منه وقال: شيء أخرجته من يدي لا أسترده أبدا فقال الرجل للناس: من هذا فقالوا: هذا جعفر بن محمد رضي الله عنه.

(فصلٌ في منزلة المروءة:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المروءة

المروءة فعولة من لفظ المرء كالفتوة من الفتى والإنسانية من الإنسان ولهذا كان حقيقتها: «اتصاف النفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوان البهيم والشيطان الرجيم»،

(فإن في النفس ثلاثه دواع متجاذبة:

(داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان: من الكبر والحسد والعلو والبغي والشر والأذى والفساد والغش.

(وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان وهو داعي الشهوة.

(وداع يدعوها إلى أخلاق المَلَك: من الإحسان والنصح والبر والعلم والطاعة.

(فحقيقة المروءة: بغض ذينك الداعيين وإجابة الداعي الثالث وقلة المروءة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الداعيين والتوجه لدعوتهما أين كانت، فالإنسانية والمروءة والفتوة: كلها في عصيان الداعيين وإجابة الداعي الثالث كما قال بعض السلف: خلق الله الملائكة عقولا بلا شهوة وخلق البهائم شهوة بلا عقول وخلق ابن آدم وركب فيه العقل والشهوة فمن غلب عقله شهوته: التحق بالملائكة ومن غلبت شهوته عقله: التحق بالبهائم «ولهذا قيل في حد المروءة: إنها غلبة العقل للشهوة»

وقال الفقهاء في حدها: «هي استعمال ما يجمل العبد ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه»

وقيل: المروءة استعمال كل خلق حسن واجتناب كل خلق قبيح.

مسألة: ما هو حقيقة المروءة؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

<<  <  ج: ص:  >  >>