فإلى كم ذا التعامي عن أمور واضحات ... وإلى كم أنت غارق في بحار الظلمات
لم يكن قلبك أصلا بالزواجر واالعظات ... بينما الإنسان يسأل عن أخيه قيل مات
وتراهم حملوه سرعة للفلوات ... أهله يبكوا عليه حسرة بالعبرات
أين من قد كان يفخر بالجياد الصافنات ... وله مال جزيل كالجبال الراسيات
سار عنها رغم أنف للقبور الموحشات ... كم بها من طول مكث من عظام ناخرات
فاغنم العمر وبادر بالتقى قبل الممات ... واطلب الغفران ممن ترتجي منه الهبات
[عبرة الموت:]
يروى أن أعرابياً كان يسير على جمل له، فخر الجمل ميتاً، فنزل الأعرابي عنه، وجعل
طوف به ويتفكر فيه، ويقول: ما لك لا تقوم؟
مالك لا تنبعث؟
هذه أعضاؤك كاملة!
وجوارحك سالمة!
ما شأنك؟
ما الذي كان يحملك؟
ما الذي صرعك؟
ما الذي عن الحركة منعك؟
ثم تركه وانصرف متعجباً من أمره، متفكراً في شأنه!!
[*] قال ابن السماك:
بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك، إذ رمى بشبكته في البحر، فخرج فيها جمجمة
إنسان، فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي ويقول:
عزيز فلم تترك لعزك!
غني فلم تترك لغناك!!
فقير فلم تترك لفقرك!!
جواد فلم تترك لجودك!!
شديد لم تترك لشدتك!!
عالم فلم تترك لعلمك!! يردد هذا الكلام ويبكي.
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للّذّات، وقاطعاً للأمنيات.
فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟
هل أنقذك من الأهوال؟ كلا .. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.
فما لك ليس يعمل فيك وعظ ... ولا زجر كأنك من جماد
ستندم إن رحلت بغير زاد ... وتشقى إذ يناديك المنادي
فلا تأمن لذي الدنيا صلاحا ... فإن صلاحها عين الفساد
ولا تفرح بمال تقتنيه ... فإنك فيه معكوس المراد
وتب مما جنيت وأنت حس ... وكن متنبها قبل الرقاد
أترضى أن تكون رفيق قوم ... لهم زاد وأنت بغير زاد؟!