فكلام أئمة الطريق هو على هذا المنهاج فمن تأمله كسهل بن عبد الله التستري وأبي طالب المكي والجنيد بن محمد وأبي عثمان النيسابوري ويحيى بن معاذ الرازي وأرفع من هؤلاء طبقة مثل أبي سليمان الداراني وعون ابن عبد الله الذي كان يقال له حكيم الأمة وأضرابهما فإنهم تكلموا على أعمال القلوب وعلى الأحوال كلاما مفصلا جامعا مبينا مطلقا من غير ترتيب ولا حصر للمقامات بعدد معلوم فإنهم كانوا أجل من هذا وهمهم أعلى وأشرف إنما هم حائمون على اقتباس الحكمة والمعرفة وطهارة القلوب وزكاة النفوس وتصحيح المعاملة ولهذا «كلامهم قليل فيه البركة» «وكلام المتأخرين كثير طويل قليل البركة»
[صفوة منازل تزكية النفوس:]
( ... المنازل الأساسية للتزكية:
مسألة: ما هي المنازل الأساسية والتي لا يتصور السفر إلى الله بدون نزولها؟
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
فلنرجع إلى ذكر منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي لا يكون العبد من أهلها حتى ينزل منازلها.
فذكرنا منها «(اليقظة) و (البصيرة) و (الفكرة) و (العزم)».
وهذه المنازل الأربعة لسائر المنازل كالأساس للبنيان وعليها مدار منازل السفر إلى الله ولا يتصور السفر إليه بدون نزولها البتة وهي على ترتيب السير الحسي فإن المقيم في وطنه لا يتأتى منه السفر حتى يستيقظ من غفلته عن السفر ثم يتبصر في أمر سفره وخطره وما فيه من المنفعة له والمصلحة ثم يفكر في أهبة السفر والتزود وإعداد عدته ثم يعزم عليه فإذا عزم عليه وأجمع قصده انتقل إلى منزلة المحاسبة وهي التمييز بين ماله وعليه فيستصحب ماله ويؤدي ما عليه لأنه مسافر سفر من لا يعود.
(فصلٌ في منزلة اليقظة:
مسألة: ما هي اليقظة؟
اليقظة: هي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
فأول منازل العبودية اليقظة وهي انزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها وخطرها وما أشد إعانتها على السلوك فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح وإلا فهو في سكرات الغفلة فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى وأوطانه التي سبى منها.
فحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى و فيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا و نسلم