ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ بمكة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين). وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي). قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال:(نعم). فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
[*] سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وصورٌ من زهده:
وسوف نتناول شيئين أساسيين في هذه السيرة العطرة وهما:
أولاً: لمحات من سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
ثانياً: صورٌ مشرقة من زهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
وهاك تفصيل ذلك:
أولاً: لمحات من سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
[*] قال عنه الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء:
ثاني القوم عمر الفاروق، ذو المقام الثابت المأنوق، أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق، وفرق به بين الفصل والهزل، وأيد بما قواه به من لوامع الطول، ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد، وبدد به مواد التنديد، فظهرت الدعوة، ورسخت الكلمة، فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة، ما نشأت لهم من الدولة، فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت، وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت، غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين، لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم، ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم، اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم، واستنصاراً بمن هو قاصمهم وشافيهم، محتملاً لما احتمل الرسول، ومصطبراً على المكاره لما يؤمل من الوصول، ومفارقاً لمن اختار التنعيم والترفيه، ومعانقاً لما كلف من التشمير والتوجيه، المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين، والموافقة في الأحكام لرب العالمين، السكينة تنطق على لسانه، والحق يجري الحكمة عن بيانه، كان للحق مائلاً، وبالحق صائلاً، وللأثقال حاملاً، و لم يخف دون الله طائلاً، وقد قيل: إن التصوف ركوب الصعب، في جلال الكرب.
وقال أيضاً: أمره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمحاربة من بين أصحابه لما اختص به من الصولة والمهابة، وما عهد منه في ملازمته للتفريد، ومحاماته على معارضة التوحيد، وأنه لا ينهنهه عن مصاولتهم العدة والعديد.