عندما احتدم القتال مع الفرس، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه، ولكن رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبد الرحمن بن عوف: الأسد في براثنه، سعد بن مالك الزهري وقد ولاه عمر رضي الله عنه إمرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها، وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال: إن الإسلام جديد، ذللت والله لهم البحار، كما ذللت لهم البر، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا، كما دخلوه أفواجا.
وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة الخرساء، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع، ونجاح باهر ودخل سعد بن أبي وقاص إيوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على
نصرهم.
*إمارة العراق:
ولاه عمر رضي الله عنهما إمارة العراق، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا: إن سعدا لا يحسن يصلي
ويضحك سعدا قائلا: والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين.
واستدعاه عمر إلى المدينة فلبى مسرعا، وحين أراد أن يعيده إلى الكوفة ضحك سعدا قائلا: أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة.
ويؤثر البقاء في المدينة.
[(٨) موقف سعد المشرف من الفتنة:]
اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له: يا عم، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر، فيجيبه سعد رضي الله عنه:
أريد من مائة ألف سيف، سيفا واحدا، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا، وإذا ضربت به الكافر قطع.
فتركه ابن أخيه بسلام وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا: مالك لم تقاتل معنا؟
فأجابه: إني مررت بريح مظلمة فقلت: أخ أخ وأنخت راحلتي حتى انجلت عني.
فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ أخ ولكن قال الله تعالى:
(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ) [الحجرات: ٩]
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة مع الباغية
فأجاب سعد رضي الله عنه قائلا: