[*] أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء عن مالك أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف أو بأربع مئة دينار وقال للرسول انظر ما يصنع بها قال فقسمها أبو عبيدة ثم أرسل إلى معاذ بمثلها قال فقسمها الا شيئا قالت له امرأته نحتاج إليه فلما أخبر الرسول عمر قال الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.
ومن الصور المشرقة من زهد أمين هذه الأمة أبي عبيدة بن الجراح:
أنه سار تحت راية الإسلام أنذى سارت، جنديّا، إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، كأنه بفضله وبإقدامه الأمير .. وأميرا، كأن بتواضعه وبإخلاصه واحدا من عامة المقاتلين ..
وعندما كان خالد بن الوليد .. يقود جيوش الإسلام في إحدى المعارك الفاصلة الكبرى .. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد ..
لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن، أمين .. حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم ..
وآنئذ، تقدّم إليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!
ويسأله خالد:
" يرحمك الله يا أبا عبيدة. و ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب" .. ؟؟
فيجيبه أمين الأمة:
" إني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله إخوة".!!!
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت إمرته أكثر جيوش الإسلام طولا وعرضا .. عتادا وعددا
فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحدا من المقاتلين .. وفردا عاديا من المسلمين ..
وحين ترامى إلى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا .. جمعهم وقام فيهم خطيبا ..
فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته، ومكانته ..
" يا أيها الناس: إني مسلم من قريش ..
وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه" .. ّّ
ثالثاً: نماذج من سير الزاهدين من أئمة التابعين رحمهم الله تعالى:
إن النفوس البشرية يصيبها الملل والسآمة والفتور، فكلل عن العمل وفتور عن الطاعة، لكنها ما إن يحدوها الحادي ويقودها الساعي ويذكرها الذاكر سير أولئك الأفذاذ وأخبار الأتقياء وإخبات الصالحين وخشوع الناسكين إلا وتنشط. ويبدأ عملها من جديد.