[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(ما) بمعنى ليس
(ذئبان جائعان) صفة له وفي رواية عاديان والعادي الظالم المتجاوز للحد
(أرسلا في غنم) الجملة في محل رفع صفة
(بأفسد) خبر ما والباء زائدة أي أشد فساداً والضمير في
(لها) للغنم واعتبر فيه الجنسية فلذا أنث وقوله
(من حرص المرء على المال والشرف) عطف على المال والمراد به الجاه والمنصب
(لدينه) اللام فيه للبيان، نحوها في قوله {لمن أراد أن يتم الرضاعة} فكأنه قيل هنا بأفسد لأي شيء؟ قيل لدينه، ذكره الطيبي،
فمقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً [ص ٤٤٦] للدين من إفساد الذئبين للغنم لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً، قال الحكيم: وضع اللّه الحرص في هذه الأمة ثم زمه في المؤمنين بزمام التوحيد واليقين وقطع علائق الحرص بنور السبحات فمن كان حظه من نور اليقين ونور السبحات أوفر كان وثاق حرصه أوثق والحرص يحتاجه الآدمي لكن بقدر معلوم وإذا لم يكن لحرصه وثاق وهبت رياحه استفزت النفس فتعدى القدر المحتاج إليه فأفسد وعرف بعضهم الحرص بأنه مدد القوة الموضوعة في الآدمي ومثيرها وعمادها.
ومن الصور المشرقة من زهد أمين هذه الأمة أبي عبيدة بن الجراح:
أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب زار الشام، وسأل مستقبليه:
أين أخي .. ؟
فيقولون من .. ؟
فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح
ويأتي أبو عبيدة، فيعانقه أمير المؤمنين عمر .. ثم يصحبه إلى داره، فلا يجد فيها من
الأثاث شيئا .. لا يجد إلا سيفه، وترسه ورحله ..
ويسأله عمر وهو يبتسم:
" ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس" .. ؟
فيجيبه أبو عبيدة:
" يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل" .. !!
[*] أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن عمر أن عمر حين قدم الشام قال لأبي عبيدة اذهب بنا إلى منزلك قال وما تصنع عندي ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي قال فدخل فلم ير شيئا قال أين متاعك لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا وأنت أمير أعندك طعام فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسيرات فبكى عمر فقال له أبو عبيدة قد قلت لك إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين يكفيك ما يبلغك المقيل قال عمر: غَيَّرَتْنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة.
قال الذهبي رحمه الله: وهذا والله هو الزهد الخالص لا زهد من كان فقيرا معدما.