للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] ولما تفرغ الصديق من حرب أهل الردة وحرب مسيلمة الكذاب جهز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة ونصر الله المؤمنين فجاءت البشرى والصديق في مرض الموت، ثم كانت وقعة فِحْل ووقعة مرج الصُّفَّر وكان قد سير أبو بكر خالدا لغزو العراق ثم بعث إليه لجند الشام، فقطع المفاوز حتى برية السماوة، فأمَّره الصديق على الأمراء كلهم وحاصروا دمشق وتُوفي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد، - وهذا الذي تبناه عمر دائماً أنه يعزل خالد بن الوليد ولكنه عاتب نفسه بعد ذلك حتى أنه بكى وقال رحم الله أبا بكر كان يعرف الرجال عني -، واستعمل على الكل أبا عبيدة فجاءه التقليد فكتمه مدة وكل هذا من دينه وحلمه - يعني عمر بن الخطاب عزل خالد وأمَّر أبا عبيدة ولكن أبو عبيدة حتى لا يفشل الجند وحتى لا تكون المسألة هوى في نفسه وأنه الأمير ويأتمرون بأمره ترك الكتاب جانبا نحا الكتاب جانبا وجعل الإمارة كما هي حتى انتهت المعركة فأبلغ خالد بما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -. فكتم هذا الكتاب وكل هذا من دينه ولينه وحلمه وتواضعه وزهده وايثاره الخمول وإنكار الذات، فكان فتح دمشق على يده فعند ذلك أظهر التقليد ليعقد الصلح للروم ففتحوا له باب الجابية صلحا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح فعن المغيرة أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم، ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك، التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقُتِلَ منهم خلق عظيم.

فانظر بعين البصيرة كيف امتثل حقيقة الزهد وهو " ترك ما لا ينفعُ في الآخرة " فقد نئى بنفسه عن الاختلاف وعمل بأمانة وهو أمين حق أمين على جمع كلمة المسلمين نابذاً الدنيا وحظوظها وراء ظهره، فلم يحرص على أن يكون له المكانة ولا أن يمون هو الأمير لأنه آيةٌ في الزهد فلا يحرص على سلطان الدنيا بل ويفر منه فرار المجذوم من الأسد، وللأنه يعلم أن الحرص على المكانة والجاه والشرف في الدين يضر دينه ويفسده فساداً كبيراً أكبر من الفساد الحاصل من إطلاق ذئبان جائعان على غنم وتأمل في الحديث الآتي بعين الاعتبار:

(حديث كعب بن مالك في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال و الشرف لدينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>