للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: بخ بخ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها، وأطعمت الناس كرادسها، ارفع هذه الجفنة، هات غير هذا الطعام، فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز (١) ولم يكن عمر ليطبق مبدأ المساواة في المدينة وحدها، من غير أن يعلمه لعماله في الأقاليم، حتى في مسائل الطعام والشراب (٢) فعندما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان أتى بالخبيص، فلما أكله وجد شيئاً حلواً طيباً، فقال: والله لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا، فجعل له سفطين عظيمين، ثم حملهما على بعير مع رجلين، فسرّح بهما إلى عمر. فلما قدما عليه فتحهما، فقال: أي شيء هذا؟ قالوا: خبيص فذاقه، فإذا هو شيء حلو. فقال: أكل المسلمين يشبع من هذا في رحله؟ قال: لا. قال: أما لا فارددهما. ثم كتب إليه: أما بعد، فإنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك. أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك (٣).

[(٢٠) شدة خوف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من الله تعالى بمحاسبته لنفسه:]

كان رضي الله عنه يقول: أكثروا من ذكر النار، فإن حرّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامها حديد (٤)، وجاء ذات يوم أعرابي، فوقف عنده وقال:

يا عمر الخير جزيت الجنة ... جهِّز بُنيَّاتي وأمهنَّه

أقسم بالله لتفعلنه

قال: فإن لم أفعل ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:

أقسم أني سوف أمضينه

قال: فإن مضيت ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:

والله عن حالي لتسألنه ... ثم تكون المسألات ثمّه

والواقف المسئول بينهنّه ... إما إلى نار وإما جنة


(١) نفس المصدر (١/ ١٨٨).
(٢) نفس المصدر (١/ ١٨٨).
(٣) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص١٤٧.
(٤) فرائد الكلام للخلفاء الكرام ص١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>