للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ـ أصاب الناس في إمارة عمر رضي الله عنه سَنَة (جدب) بالمدينة وما حولها، فكانت تسقي إذا ريحت (١) تراباً كالرماد، فسمي ذلك العام عام الرمادة، فآلى (حلف) عمر ألا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتى يحي الناس من أول الحياء، فقدمت السوق عُكَّة من سمن، ووطب من لبن، فاشتراهما غلام لعمر بأربعين، ثم أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، قد أبر الله يمينك، وعظم أجرك، قدم السوق وطب من لبن، وعكة من سمن، فابتعناهما بأربعين، فقال عمر: أغليت بهما، فتصدق بهما، فإني أكره أن آكل إسرافاً، وقال عمر: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم (٢)، هذا موقف أمير المؤمنين عام القحط الذي سمي عام الرمادة، ولم يختلف موقفه عام الغلاء، فقد: أصاب الناس سنة غلاء، فغلا السمن، فكان عمر يأكل الزيت، فتقرقر بطنه، فيقول: قرقر ما شئت، فو الله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس (٣)، ولم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة للناس كافة، وإنما تعداه إلى شؤون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجاً، فصنع له صفوان بن أمية طعاماً، فجاؤوا بجفنه يحملها أربعة، فوضعت بين يدي القوم يأكلون وقام الخُدّام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضباً شديداً، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل، ثم قال للخدام: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين (٤)، وكذلك فإن عمر رضي الله عنه لم يأكل من الطعام ما لا يتيسر لجميع المسلمين، فقد كان يصوم الدهر، فكان زمن الرمادة إذا أمسى أتى بخبز قد ثُرد بالزيت، إلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً (٥)، فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأتي به، فإذا قديد من سنام ومن كبد، فقال: أنى هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، من الجزور التي نحرناها اليوم.


(١) فقه التمكين في القرآن الكريم ص٥٠١.
(٢) تاريخ الطبري (٤/ ٩٨) نقلاً عن نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (١/ ٨٧).
(٣) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص١٠١.
(٤) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص١٠١.
(٥) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (١/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>