• أما آن لك أن تفعل المأمور وتترك المحظور وتصبر على المقدور وتتذكر البعث والنشور، أما لو تفكرت في قبركِ المحفور، وما فيه من الدواهي والأمور، تحت الجنادلِ والصخور، لعلمت موقناً أنك ما كنت إلا في غرور، فتندم ندماً لا يخطرُ على الصدور، ولا يُكْتَبُ بالسطور، لكنه ندمٌ لا يدفعُ ولا يمنع، ولا ينفعُ في أي أمرٍ من الأمور.
• أما آن لك أن تَصُون قلبك مِن الْخَرَابِ، وَتَحْفَظ دينك مِنَ التَّلاشِي وَالذِّهَابِ، وَتَرْجُو رِضَا رَبكْ وَعَفْوَهُ يَوْمَ وَالْحِسَابِ، أما كان لك عبرةٌ فيمن ماتوا ودُفِنوا تحت التراب، كيف فُجِعَ بِهِم الأَحْبَاب، وأكثروا عليهم البكاء والانتحاب، وسَكَنُوا التُراب، وظَعَنُوا فليسَ لهم إِياب.
• أما آن لك أن تنتبه من غفلتك فإليك يوجه الخطاب، وتُفِيق من نومك قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب، ومشتِِّت الأحباب، أما تذكر ما أمامك من شدة الحساب وشر المآب، فيا له من زائر لا يعوقه عائق، ولا يضرب دونه حجاب، ويا لَهُ من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلج من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا، ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب، ألا وإن بعده ما هُوَ أعظم منه من السؤال والجواب، وراءه هول البعث والحشر وأحواله الصعاب من طول المقام والازدحام فِي الأجسام والميزان والصراط والحساب والْجَنَّة أَوْ النار.
• فيا خَجَلة من سئل فَعُدِمَ الجواب، ويا حَسْرَة من نوقش عن الدقيق والجليل يوم الحساب، ويا ندامة من لم يحصل إِلا على الْغَضَب من الكريم الوهاب.
• ويا ويلةَ من كانت وجوههم مسودة لسوء الحساب، والزبانية تقمعهم فيذوقون أليم العقاب، فياله من يومٍ شديد َيَشْتَدُّ فِيهِ الْحِسَابُ، وَيُشْفَقُ فِيهِ العذاب، يومٌ تخضعُ فيه الرِّقَابُ ويَذَلُ فيه كُلُّ فَاجِرٍ كَذَّابِ ويَرَجَعُ الأَشْقِيَاءُ بِالْخُسْرَانِ وَالتَّبَابِ،
• فيا ساكنا عن الصواب، كيف بك إذا وقفت للحساب بين يدي سريع الحساب، هل أعددت للسؤال جواب، ألم تخفْ سوء الحساب يوم المآب.