أعرض عن غيّك وهواك وأقبل مولاك الذي خلقك فسوَّاك ويعلم سِرَك ونجواك، وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات، فالفرار أيها المكلف كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار، فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار.
• ولله درُ من قال:
أمولاي إني عبد ضعيف ... أتيتك أرغب بما لديك
أتيتك أشكو مصاب الذنوب ... وهل يشتكى الضر إلا إليك
فمنّ بعفوك يا سيّدي ... فليس اعتمادي إلا عليك
[*] • قال بعض الأخيار لولده لما حضرته الوفاة: يا بنيّ، اسمع وصيتي، واعمل ما أوصيك به. قال نعم يا أبت.
قال يا بنيّ: اجعل في عنقي حبلًا، وجرّني إلى محرابي، ومرّغ خدي على التراب، وقل: هذا جزاء من عصى مولاه، وآثر شهوته وهواه، ونام عن خدمة مولاه.
قال: فلما فعل ذلك به، رفع طرفه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي، قد آن الرحيل إليك، وأزف القدوم عليك، ولا عذر لي بين يديك، غير أنك الغفور وأنا العاصي، وأنت الرحيم وأنا الجاني، وأنت السيد وأنا العبد، ارحم خضوعي وذِلتي بين يديك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.
قال: فخرجت روحه في الحال، فإذا بصوت ينادي من زاوية البيت سمعه كل من حضر وهو يقول: تذلل العبد لمولاه، واعتذر إليه مما جناه، فقرّبه وأدناه وجعل الجنة مأواه.
• أخي الحبيب:
• أما آن لك أن تنتبه من غفلتك.
• أما آن لك أن تُصْلِحَ الفاسدَ وتُرَقِّعَ الخَرْقَ وَتَسُدُ الثّغْر.
• أما آن لك أن تؤاخذ نفسك بتقصيرها وتحاسبها على تفريطها.
• أما آن لك أن تخلع عنك الكسل وترتدي ثوب الجد والنشاط.
• أما آن لك أن تخلع عنك الراحة وتستفرغ الوِسْعَ في الطاعة.
• أما آن لك أن تخشى الرحمن وتمتثل القرآن، وتنسلخ من العصيان واستحواذ الشيطان، وتُفيق من نومك قبل فوات الأوان.
• أما آن لك أن تُقبل على النصائح، وتتقرَّب إلى الله تعالى بالمنائح.
• أما آن لك أن تُقْلِعَ عن هواك وترجع إلى ربك الذي خلقك فسواك ويعلم سرك ونجواك.
• أما آن لك أن تحفظ لحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى وأن تتذكر الموت والبلى فنستحي من الله حق الحيا، أما اعتبرت بمن نُقِل إلى دار البِلى، أما اعتبرت بوضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.