للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوَّلُ مُقَدَّمَاتِ أَدَبِ الرِّيَاضَةِ وَالاسْتِصْلاَحِ أَنْ لاَ يَسْبِقَ إلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِنَفْسِهِ، فَيَخْفَى عَنْهُ مَذْمُومُ شِيَمِهِ وَمَسَاوِئُ أَخْلاَقِهِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ بِالشَّهَوَاتِ آمِرَةٌ، وَعَنْ الرُّشْدِ زَاجِرَةٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣].

(ولله درُّ من قال:

قَلْبِي إلَى مَا ضَرَّنِي دَاعِي يُكْثِرُ أَسْقَامِي وَأَوْجَاعِي

كَيْفَ احْتِرَاسِي مِنْ عَدُوِّي إذَا كَانَ عَدُوِّي بَيْنَ أَضْلاَعِي

فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ كَذَلِكَ فَحُسْنُ الظَّنِّ بِهَا ذَرِيعَةٌ إلَى تَحْكِيمِهَا، وَتَحْكِيمُهَا دَاعٍ إلَى سَلاَطَتِهَا وَفَسَادِ الأخلاقِ بِهَا. فَإِذَا صَرَفَ حُسْنَ الظَّنِّ عَنْهَا وَتَوَسَّمَهَا بِمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّسْوِيفِ وَالْمَكْرِ فَازَ بِطَاعَتِهَا، وَانْحَازَ عَنْ مَعْصِيَتِهَا.

(أورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: الْعَاجِزُ مَنْ عَجَزَ عَنْ سِيَاسَةِ نَفْسِهِ.

[طريق اكتساب أدب النفس:]

(لاكتساب أدب النفس طرق ومسالك أهمها ما يلي:

(١) تربية الأولاد على الأدب منذ الصغر:

وهذا واجب الوالدين والأساتذة في البيت والمدرسة، قال عبد الملك بن مروان رحمه الله لمؤدب ولده (علمه الصدق كما تعلمه القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم فإنهم أحسن الناس ورعا وأحسنهم أدبا، واضربهم على الكذب وجنبهم شتم أعراض الرجال، واحملهم على صلة الأرحام، واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب) لباب الآداب صـ٢٠٣

قد ينفعُ الأدبُ الأحداثَ في صغر ... وليس ينفع عند الشيبةِ الأدبُ

إن الغصونَ إذا قومتها اعتدلت ... ولا يلين إذا قومته الخشب

قال مالك رحمه الله (كانت أمي تعّممني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم منه آدابه قبل علمه) ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>