وأفضل مواهب الله لعباده العقل ولقد أحسن الذي يقول ... وأفضل قسم الله للمرء عقله ... فليس من الخيرات شيء يقاربه ... إذا أكمل الرحمن للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه ومآربه ... يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه ... على العقل يجري علمه وتجاربه ... يزيد الفتى في الناس جودة عقله ... وإن كان محظورا عليه مكاسبه. أهـ ...
[محل العقل:]
(قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:
أكثر أصحابنا يقولون محله القلب وهو مروي عن الشافعي
رحمه الله تعالى، ودليلهم قوله تعالى قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ) [الحج: ٤٦]
وقوله تعالى: (إِنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
[ق: ٣٧] قلب قالوا المراد لمن كان له عقل فعبر بالقلب عن العقل لأنه محله.
ونقل الفضل بن زياد عن أحمد رضي الله عنه أن محله الدماغ.
وهو اختيار أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه.
[أقسام العقل:]
ينقسم العقل إلى قسمين: غريزي ومكتسب.
(فالغريزي هو العقل الحقيقي.
وله حد يتعلق به التكليف لا يجاوزه إلى زيادة ولا يقصر عنه إلى نقصان.
وبه يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان، فإذا تم في الإنسان سمي عاقلاً وخرج به إلى حد الكمال، كما قال صالح بن عبد القدوس: إذا تم عقل المرء تمت أموره وتمت أمانيه وتم بناؤه.
(وأما العقل المكتسب فهو نتيجة العقل الغريزي وهو نهاية المعرفة، وصحة السياسة، وإصابة الفكرة. وليس لهذا حد؛ لأنه ينمو إن استعمل وينقص إن أهمل.
(حكى الأصمعي رحمه الله قال: قلت لغلام حدث من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحة وملاحة: أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم، وأنت أحمق؟ قال: لا والله. قال: فقلت: ولم؟ قال: أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى علي حمقي.
فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج بفرط ذكائه، واستنبط بجودة قريحته ما لعله يدق على من هو أكبر منه سنا، وأكثر تجربة. وأحسن من هذا الذكاء والفطنة
(حكى ابن قتيبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فهربوا منه إلا عبد الله.
فقال له عمر رضي الله عنه: ما لك؟ لم لا تهرب مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أكن على ريبة فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقا فأوسع لك.
فانظر ما تضمنه هذا الجواب من الفطنة وقوة المنة وحسن البديهة.