للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ مَنْ نَفَى أَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ جَوْهَرًا أَثْبَتَ مَحَلَّهُ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ مَحَلُّ الْعُلُومِ كُلِّهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الارْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: ٤٦]. فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْعَقْلَ عِلْمٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ. وَفِي قوله تعالى: {يَعْقِلُونَ بِهَا}، تَأْوِيلاَنِ: أَحَدُهُمَا: يَعْلَمُونَ بِهَا، وَالثَّانِي يَعْتَبِرُونَ بِهَا. فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ. وَقَدْ قِيلَ: الْعَاقِلُ مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَعْقَلِ النَّاسِ أَنَّهُ يَكُونُ مَصْرُوفًا فِي الزُّهَّادِ؛ لِأَنَّهُمْ انْقَادُوا لِلْعَقْلِ وَلَمْ يَغْتَرُّوا بِالأمَلِ. أهـ

(وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:

اختلف الناس في ماهية العقل اختلافا كثيرا، فقال قوم هو ضرب من العلوم الضرورية.

وقال آخرون هو غريزة يتأتى معها درك العلوم.

وقال آخرون هو قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات.

وقال آخرون هو جوهر بسيط وقال قوم هو جسم شفاف.

وقال الحارث المحاسبي هو نور.

وبهذا قال أبو الحسن التميمي من أصحابنا وروى إبراهيم الحربي عن أحمد أنه قال العقل غريزة وقد روى عن المحاسبي أيضا مثله.

والتحقيق في هذا أن يقال العقل غريزة كأنها نور يقذف في القلب فيستعد لإدراك الأشياء فيعلم جواز الجائزات واستحالة المستحيلات ويتلمح عواقب الأمور.

وذلك النور يقل ويكثر وإذا قوى ذلك النور قمع بملاحظة العواقب عاجل الهوى. أهـ

(وقال ابن حبان رحمه الله تعالى في روضة العقلاء:

والعقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب والعلم باجتناب الخطأ فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديبا ثم أريبا ثم لبيبا ثم عاقلا كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قيل له شيطان فإذا عتا في الطغيان قيل مارد فإذا زاد على ذلك قيل عبقري فإذا جمع إلى خبثه شدة شر قيل عفريت.

وكذلك الجاهل يقال له في أول درجته المائق ثم الرقيع ثم الأنوك ثم الأحمق ٠

<<  <  ج: ص:  >  >>