وعند ابن المبارك، وابن أبي شيبة، وهَنَّاد، وابن جرير، وأبي نُعَيم في الحلية عن عبد الرحمن بن سابط، وزيد بن زبيد بن الحارث، ومجاهد قالوا: لما حضر أبا بكر الموتُ دعا عمر - رضي الله عنه - وقال له:"إتَّق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تُؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، وحُقّ لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفَّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتَّباعهم الباطل في الدنيا وخفَّته عليهم، وحُقّ لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً. وأن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئته، فإذا ذكرتهم قلت: إِني لأخاف أن لا ألحق بهم؛ وأن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وردَّ عليهم أحسنه؛ فإذا ذكرتهم قلت: إِني أخاف أن أكون مع هؤلاء
وذكر آية الرحمة وآية العذاب ـ فيكون العبد راغباً راهباً، ولا يتمنَّى على الله غير الحق، ولا يقنط من رحمته، ولا يُلقي بيديه إلى الهلكة. فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكُ غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك وإن أنت ضيَّعت وصيتي فلا يكُ. غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجِزِه".
كذا في منتخب الكنز.
[(٣٩) إكرامه لأهل البيت:]
أخرج أبو نُعيم والجابري في جزئه عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر رضي الله عنهم وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي، قال: صدقت، إنه مجلس أبيك، وأجلسه في حجره وبكى. فقال علي رضي الله عنه: والله ما هذا عن أمري. فقال: صدقتَ والله ما اتهمتك. وعند ابن سعد عن عروة أن أبا بكر خطب يوماً فجاء الحسن فصعد إليه المنبر، فقال: انزل عن منبر أبي، فقال علي: إن هذا شيء من غير ملأ منا. كذا في الكنز.
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري والنسائي والحاك عن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر رضي الله عنه من صلاة العصر بعد وفات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بليال، وعلي رضي الله عنه يمشي إلى جنبه. فمر بحسن بن علي يلعب مع غِلمان، فاحتمله على رقبته وهو يقول: بأبي شبيهُ بالنبي ليس شبيهاً بعلي وعلي يضحك. كذا في الكنز.