(حتى بلغ ستين سنة) لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب المنية ومظنة انقضاء الأجل فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته، ثم هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما يتوجه له على العبد، وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له شيئاً في الاعتذار يتمسك به، وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه، وقيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال دنو أجل وسوء عمل. قال القشيري: كان ببغداد فقيه يقرئ اثنين وعشرين علماً فخرج يوماً قاصداً مدرسته فسمع قائلاً يقول: إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار * فقد ضاق الزمان على الصغار فخرج هائماً على وجهه حتى أتى مكة فمات بها.
(وأكبر الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم كما قال سبحانه: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)[الإسراء:١٥]، وقال سبحانه: وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:٣٧]، قيل: هو القرآن وقيل: الرسل وقال ابن عباس: هو الشيب.
باب ذِكْرُ الموت:
[*] (عناصر الباب:
[كيف تتناسى الموت؟]
(الإكثار من ذِكْرِ الموت:
(فوائد ذكر الموت:
(الأسباب الباعثة على ذكر الموت:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
[كيف تتناسى الموت؟]
إن الناس في هذه الحياة في غفلة، وأملهم فيها عريض، ولا بد من إلجام النفس بتذكيرها بمصيرها، لتعمر الآخرة بالدنيا، وإن الموت حقيقة قاسية رهيبة، تواجه كل حي فلا يملك لها رداً، وهي تتكرر في كل لحظة ويواجهها الجميع دون استثناء، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:٥٧]، إنها نهاية الحياة واحدة فالجميع سيموت لكن المصير بعد ذلك يختلف، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:٧]، وفي الموت عظة وتذكير وتنبيه وتحذير، وكفى به من نذير، والموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وأنه الحادث الأهدم للذات والأقطع للراحات والأمنيات.