ولكننا مع الأسف الشديد نسيناه أو تناسيناه وكرهنا ذكره ولقياه مع يقيننا أنه لا محالة واقع وحاصل، والعجب من عاقل يرى استيلاء الموت على أقرانه وجيرانه وكيف يطيب عيشه! وكيف لا يستعد له! إن المنهمك في الدنيا، المُكِّبَ على غرورها المحب لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت، وإذا ذُكّر به كرهه ونفر منه، ومن لم يتذكر الموت اليوم ويستعد له فاجأه في غده وهو في غفلة من أمره وفي شغل عنه.
[*](كتب بعض الحكماء إلى رجل من إخوانه: يا أخي احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تجده.
[*] (وكان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة.
[*] (وقال إبراهيم التيمي: شيئان قطعا عني لذة الدنيا ذكر الموت، والوقوف بين يدي الله عز وجل.
[*] (وقال كعب: من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها.
[*] (وقال أشعث: كنا ندخل على الحسن فإنما هو ذكر النار وأمر الآخرة وذكر الموت.
[*] (وقالت صفية رضي الله عنها: إن امرأة اشتكت إلى عائشة رضي الله عنها قسوة قلبها. فقالت لها: أكثري ذكر الموت يرق قلبك، ففعلت فرق قلبها فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها.
[*] قال مالك بن ينار: لو يعلم الخلائق ماذا يستقبلون غداً ما لذوا بعيش أبداً.
وما خاف مؤمن اليوم إلا أمن غداً بحسن اتعاظه وصلاح عمله وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث شداد بن أوس رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال الله تعالى: وعزتي و جلالي لا أجمع لعبدي أمنين و لا خوفين إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمعُ عبادي و إن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمعُ عبادي.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: