وقد وضع النسائي كتابًا كبيرًا جدًا حافلاً عرف بالسنن الكبرى، وهذا الكتاب (المجتبى) المشهور بسنن النسائي منتخب منه،
وكتاب (المجتبى) هذا يسير على طريقة دقيقة تجمع بين الفقه وفن الإسناد، فقد رتب الأحاديث على الأبواب، ووضع لها عناوين تبلغ أحيانًا منزلة بعيدة من الدقة، وجمع أسانيد الحديث الواحد في موطن واحد.
وقد جمع النسائي في كتابه أحاديث الأحكام، وقسمه إلى كتب، وعدد كتبه ثمانية وخمسين كتابًا، وقسم كل كتاب إلى أبواب، ولم يفعل فعل أبي داود و الترمذي في الكلام على بعض الأحاديث بالتضعيف، كما لم يتكلم على شيء من رجال الحديث بالجرح والتعديل، ولم ينقل شيئًا من مذاهب فقهاء الأمصار ... .
والسبب الذي دعا أبا داود و الترمذي و النسائي إلى أن يذكروا في كتبهم أحاديث معللة هو احتجاج بعض أهل العلم والفقه بها، فيوردونها ويبينون سقمها لتزول الشبهة.
وقد اشتهر النسائي بشدة تحريه في الحديث والرجال، وأن شرطه في التوثيق شديد.
قيمة الكتاب العلمية وثناء العلماء عليه:
[*] قال الحاكم: كلام النسائي على فقه الحديث كثير، ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه.
[*] قال ابن رشيد: كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفاً وأحسنها ترصيفاً، وهو جامع بين طريقي البخاري ومسلم مع حظٍ كبير من بيان العلل التي كأنها كِهانة من المتكلم.
[*] قال السِّلفي: الكتب الخمسة اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب.
[منهج الإمام النسائي في المجتبى:]
[*] قال السخاوي: ولعمري فكتابه بديعٌ لمن تدبره، وتفهَّم موضوعه وكرَّره، وكم من جواهرٍ اشتمل عليها، وأزاهر انتعشت الأرواح بالدخول إليها وذلك:
(١) أنه يفسِّر الغريب أحيانا: كقوله في حديث الأعرابي الذي بال: " لا تزرموه" يعني: " لا تقطعوا عليه" ومرة: " لا تقطعوه" ...
(٢) ويعيِّن المهمل: ـ كقوله فيما رواه من جهة بكر: ـ وهو بن مُضرـ
وفيما رواه من جهة عبد الله: ـ وهو ابن القِبطية ـ وقد يذكره ـ أي المهمل ـ مع الشك.
(٣) ويسمي المبهم في أصل السند: كإيراده حديث محمد بن عبد الرحمن عن رجل عن جابر رضي الله عنه مرفوعا ... ثم ساقه من طريق محمد ـ أيضاً ـ فقال: (عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر.