وإن كنت غير ذلك فتب إلى الله وارجع إلى الهدى ما دمت في زمن الإمكان، ولا داعي للعناد والإصرار على المعاصي التي ستعرضك لعذاب الله، فإنك والله لأعجز من أن تطيق شيئا من هذا العذاب، إن الجبال الشم الراسيات لو سيرت بالنار لذابت من شدة حرها! فأين أنت أيها الإنسان الضعيف من تلك الجبال؟ إنك تصبر على الجوع والعطش، وتصبر على الضر وعلى التكاليف، لكن والله الذي لا إله إلا هو لا صبر لك على النار ... ألا فأنقذ نفسك من النار ما دمت في زمن الإمهال قبل أن تندم ولات ساعة مندم، واعلم أن الصبر عن محارم الله في هذه الدنيا أيسر والله بكثير من الصبر على عذابه يوم القيامة.
(ثم اعلم أخي أن طريق الاستقامة والالتزام ليس فيه تعقيد وكبت حرية كما يظنه البعض، بل إن طريق الاستقامة والالتزام كله سعادة، كله لذة، كله راحة، كله طمأنينة، وماذا يريد الإنسان في هذه الحياة غير ذلك؟! أما حياة المعصية والآثام فكلها قلق ونكد وحسرة في الدنيا، ثم عذاب وهوان في الآخرة.
فجرب يا أخي هذا الطريق من الآن ولا تتردد، فإني والله لك من الناصحين، وعليك من المشفقين.
(رُسُلُ ملك الموت:
ورد في بعض الأخبار أن نبيا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك، ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي والله رسل كثيرة: من الإعلال، والأمراض، والشيب، والهموم، وتغير السمع والبصر.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلَّغه ستين سنة).
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
اختلف أهل التفسير فيه فالأكثر على ان المراد به الشيب لأنه يأتي في سن الكهولة فما بعدها وهو علامة لمفارقة سن الصبي الذي هو مظنة اللهو.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(أعذر الله إلى امرئ) أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذراً يعتذر به كأن يقول: لو مدّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، فالهمزة للسلب، أو بالغ في العذر إليه عن تعذيبه حيث